الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَأَنفَقُوا۟ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ۝ وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ هُوَ الَّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ۝ وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ۝ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ[سورة الحديد:7-11].

أمر تعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي: مما هو معكم على سبيل العارية، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته، فإن يفعلوا وإلا حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه.

في قوله هنا:آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وكذا في قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ[سورة النساء:136] العلماء في مثل هذا كثيراً ما يقولون:آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني: استمروا على الإيمان، واثبتوا على الإيمان، وهذا من المعاني الداخلة فيه، والمعنى -والله أعلم- أوسع من هذا، كما نقول -أيضاً- في الدعاء في سورة الفاتحة اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[سورة الفاتحة:6]، وقد هدانا الله إلى الإسلام، فـ الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ هو الإسلام فيقولون: المعنى: ثبتنا، يعني هو دعاء بالدوام والثبات والاستمرار على السير على الصراط المستقيم، فهذا أحد المعاني الداخلة تحته، وإلا فإن المعنى أوسع من ذلك، وهو أن كل ما ينزله الله على رسوله من شرائع الدين، ومن الآيات فهو حق يجب الإيمان به، فـ "الصلاة" إيمان، و"الصيام" إيمان، و"الحج" إيمان، فكل تشريع جديد وكل عمل شرعه -تبارك وتعالى- فهو إيمان،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فيؤمن بالله ، ومن إيمانه بالله أن يؤمن بكل ما أخبر الله به، وأن يكون عابداً له موحداً مطيعاً ونحو ذلك؛ ولذلك كان الإيمان قولاً وعملاً، فشرائع الإسلام جميعاً داخلة في ذلك، فتنزل تباعاً، فيحتاج الناس إلى إيمان جديد حتى اكتمل الإيمان فأنزل الله :الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[سورة المائدة:3]، فكان أول ما يجب عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، ثم بعد ذلك شيئاً فشيئاً حتى اكتملت شرائع الإسلام، ولما بعث النبي ﷺ معاذاً إلى اليمن قال:ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله...[1]، ثم ذكر له كيف يصنع إذا أطاعوه وأجابوه شيئاً فشيئاً الصلاة ثم الصيام إلخ، فإذا قال الله :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فإذا قيل: هذا الخطاب متوجه للمشركين معناه ادخلوا في الإسلام، لكن هذه السورة مدنية فالخطاب متوجه لأهل الإيمان بالدرجة الأولى، والله تعالى أعلم، فيكون المعنى على هذا الشمول، وهنا في قولهم:وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ هذه العبارة مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ تشعر بأن الذي معهم عارية في أيديهم، فيكون ذلك دافعاً لهم، هذا مال الله جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، فهو ليس بدائم وثابت في أيديكم فيكون ذلك مُخفِّفاً على النفوس إخراجَ المال المحبوب إلى نفوسهم، فكما جعلهم مستخلفين فيه فسيخلفهم غيرهم في هذا المال فهو شيء مؤقت باليد، جعله الله فيها وعما قريب سيفارقهم أو يفارقونه.

وقوله:مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفًا عنك، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه، فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك، أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.

قال الحسن -رحمه الله-: بلغنا أن الغبن في ثلاث: رجل آتاه الله مالاً ولم يؤدِّ حق الله فيه، فصار إلى وارث أنفقه في سبيل الله فدخل الجنة وذاك دخل النار، ورجل آتاه الله علماً فلم يعمل به، فبلّغه إلى من عمل به فدخل الجنة، وذاك دخل النار، والثالث رجل مملوك أطاع الله، وأدى حق سيده فدخل الجنة، وسيده عمل بمعصية الله فدخل النار.

روى الإمام أحمد عن مُطَرَّف -يعني ابن عبد الله بن الشّخّير- عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يقول:أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[سورة التكاثر:1]، يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟"[2].

ورواه مسلم، وزاد: "وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس"[3].

وقوله:فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة،

  1. رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، برقم (1425).
  2. رواه أحمد في المسند، برقم (16306)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه فمن رجال مسلم وأصحاب السنن، ومسلم في بداية كتاب الزهد والرقائق، برقم (2958).
  3. رواه مسلم، في بداية كتاب الزهد والرقائق، برقم (2959).