إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[سورة المجادلة:20-22]، يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني: الذين هم في حَدٍّ والشرع في حَدٍّ، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية.
أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة.
أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ يعني في جملة الأذلين، فإن المحادين لله ورسوله هكذا حكم الله عليهم، كل محادٍّ، وكما سبق أن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فبقدر المحادة يكون للإنسان من الذل، فأهل المحادة الكاملة هم أذل الناس، أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- له كلام في تفسير سورة التوبة في قوله -تبارك وتعالى-:أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ[سورة التوبة:63]، من قوله تعالى:وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ[سورة التوبة:61]، وما ذكر الله بعدها، ابن القيم -رحمه الله- يقول: إن الأذل أبلغ من الذليل، يعني يفرق يقارن بين الأذل والذليل،ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ[سورة آل عمران:112]،أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ، هذه أبلغ، يقول ابن القيم: إن الأذل أبلغ من الذليل، يقول: إنه لا يكون كذلك -يعني أذل- إلا إذا خاف على نفسه وماله، والمنافقون يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ[سورة المنافقون:4]،أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ[سورة الأحزاب:19]، في حال من الهلع والفزع، فيقول ابن القيم: لا يكون أذل إلا إذا كان يخاف على نفسه وماله؛ لأن من كان دمه وماله معصوماً لا يستباح فليس بأذل، يقول: يدل عليه قوله تعالى:ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ[سورة آل عمران:112]، هذا باعتبار أن الاستثناء من قبيل المتصل، وليس بمعنى بل، الذين يقولون: إنه منقطع يقولون: إن الذل لا يفارقهم، يعني: ولكن بحبل من الله وحبل من الناس يأمنون على أنفسهم مثلاً،بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ العهد الذي يعطيه أهل الإيمان؛ لأن ذلك عن أمر الله وموافق لحكمه وشرعه، والحبل من الناس: الذي يعطيهم الكفار،إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ، يقول: فبين سبحانه أنهم أينما ثقفوا فعليهم الذلة، إلا مع العهد، فعلم أن من معه عهد وحبل يأمن به على نفسه وماله لا ذلة عليه وإن كانت عليه المسكنة،وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ، فإن المسكنة قد تكون مع عدم الذلة وقد جعل سبحانه الحادين في الأذلين، فلا يكون لهم عهد، إذ العهد ينافي الذلة، كما دلت عليه الآية، وهذا ظاهر، فإن الأذل ليس له قوة يمتنع بها ممن أراده بسوء، فإذا كان من المسلمين عهد يجب عليهم به نصره ومنعه فليس بأذل، فثبت أن المحاد لله ورسوله لا يكون له عهد يعصمه،أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ.