الأربعاء 06 / شعبان / 1446 - 05 / فبراير 2025
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓا۟ ۚ أَحْصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ۝ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۝ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[سورة المجادلة:5-7].

يخبر تعالى عمن شاقوا الله ورسوله وعاندوا شرعه كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: أُهينوا ولُعنوا وأُخزوا كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم،وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ أي: واضحات لا يخالفها ولا يعاندها إلا كافر فاجر مكابر،وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ أي: في مقابلة ما استكبروا عن اتباع شرع الله، والانقياد له، والخضوع لديه.

ثم قال تعالى:يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً وذلك يوم القيامة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد،فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أي: يخبرهم بالذي صنعوا من خير وشر أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ أي: ضبطه الله وحفظه عليهم، وهم قد نسوا ما كانوا عليه،وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي: لا يغيب عنه شيء ولا يخفى، ولا ينسى شيئاً.

 قوله -تبارك وتعالى-:إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، المحادّة أصلها أن يكون هذا في حد وهذا في حد، يعني أصل ذلك من المفاعلة تكون بين طرفين وأكثر، هذا يكون في طرف وهذا يكون في طرف، مثل المشاقّة هذا في شق، وهذا في شق، والمعاداة هذا يكون في عُدوة وهذا يكون في عدوة الوادي، جانب الوادي، فالله -تبارك وتعالى- يذكر ذلك بعد ذكر هذه الأحكام المتعلقة بالظهار، بيّنَ حكمه وأنه محرم، وبين ما يترتب عليه من الكفارة، فقال:إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كُبتوا هنا فسره بأُهينوا ولُعنوا وأخزوا.

فالكبت يأتي بمعنى ما ذكر، وهو تفسير له بما يقاربه، وفي الكبت معنى زائد على ما ذكر وهو أنه لم يتحقق لهم مطلوب، كما قال الله -تبارك وتعالى-:وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا[سورة الأحزاب:25]، فهؤلاء الذين يحادون الله ورسوله ويريدون إبطال شرائع الإسلام، وإطفاء نور الله -تبارك وتعالى-، لم يحصل لهم مطلوب ولم يتحقق لهم غرض، فهم كبتوا كما كبت الذين من قبلهم، فهذه سنة الله في هؤلاء المحادين.

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يشمل كل من كان قبلهم من هذه الأمة ممن كُبت قبل نزول هذه الآيات، كما يشمل أيضاً كل من كبتوا من الأمم السابقة.

قال:وَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ يعني: واضحات،وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ.

ثم قال:يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ هؤلاء المحادين، هؤلاء الكفار،يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، هذا يحتمل معنيين:

المعنى الأول: أنه يبعثهم جميعاً كما ذكر الحافظ ابن كثير، وهذا قول الجمهور، أن الله يبعثهم جميعاً يعني مجتمعين، يبعث الله الأولين والآخرين، ويوم القيامة من أسمائه أنه يوم الجمع، فهو يوم الجمع، يُجمع فيه كما يقولون: يُجمع الأولون والآخرون، ويجمع أهل السماوات والأرض، ويجمع بين العامل وعمله، وبين المظلوم وظالمه، وبين العابد ومعبوده، كل هذا من معاني الجمع، فهنا يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً المعنى الأول: أنه يبعث الأولين والآخرين.

المعنى الثاني:يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً يعني: أن الله يبعث هؤلاء جميعاً، يجمع ما تفرق من أجسادهم في الأرض، لا يفوته من ذلك شيء، لكن المعنى الأول هو الذي عليه عامة أهل العلم، وهو الأقرب وهو المتبادر، وهو الذي يدل عليه مواضع من كتاب الله -تبارك وتعالى.

قال:فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ، فالنبأ أخص من مطلق الخبر، فكل نبأ فهو خبر، وليس كل خبر فهو نبأ، فالنبأ هو الخبر الذي له شأن، وهذه الأمور يترتب عليها مصير هؤلاء فهي أنباء.

قال:أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ، أحصاه أي ضبطه وحفظه عليهم، جمعه، لم يفت منه شيء كما قال الله:وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [سورة الكهف:49]،أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ، وهم نسوه لكثرته أو لقلة مبالاتهم، أو لتقدم زمانه وتقادمه، يعني هذا من زمان، فهم ينسون هذه الذنوب التي مضى عليها وقت طويل، ولكن الله -تبارك وتعالى- أحصى ذلك عليهم جميعاً، والله على كل شيء شهيد، فالشهيد -كما مضى في الكلام على الأسماء الحسنى- فيه زيادة على معنى العلم -الشهود-، فالله -تبارك وتعالى- يعلم أحوال العباد وأعمالهم، كما أنه -تبارك وتعالى- مشاهد لهم، شاهد عليهم بهذه الأعمال، حاضر لا يغيب، وهو على عرشه -تبارك وتعالى- فوق سماواته.