يقول - تعالى - آمراً لرسوله ﷺ، ولمن اتبع طريقته: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ أي: اقتدِ به، واقتفِ أثره، واعمل به؛ فإن ما أوحي إليك من ربك هو الحق الذي لا مرية فيه؛ لأنه لا إله إلا هو.
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [سورة الأنعام:106] أي: اعف عنهم، واصفح، واحتمل آذاهم حتى يفتح الله لك، وينصرك، ويظفرك عليهم، واعلم أن لله حكمة في إضلالهم فإنه لو شاء لهدى الناس جميعاً، ولو شاء لجمعهم على الهدى وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ [سورة الأنعام:107]".
قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [سورة الأنعام:106] بعض أهل العلم يقول: إنه منسوخ بآية السيف، وممن ذهب إلى هذا كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - وهذا على قاعدة أن كل آية فيها عفو، وصفح، وإعراض؛ قالوا: إنها منسوخة بآية السيف، فلا صفح، ولا إعراض، وهذا غير صحيح - والله تعالى أعلم -، لكن يقال: هذه الآيات غير منسوخة، لكن في مكة أمر بالإعراض، ثم بعد ذلك أمر بالجهاد في المدينة، وهذه أحوال، وأطوار، فإذا كانت الأمة في حال من الضعف فعندئذ يتأتى الإعراض، والصفح، وإذا كانت الأمة قوية وممكنة فعندئذ يتأتى مجاهدة الكفار بالسيف، ثم إن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
وقوله - تبارك وتعالى -: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [سورة الأنعام:106] معناه لا تكترث بهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، وليس عليك حسابهم كما قال الله : وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ [سورة الأنعام:107] أي: إنما عليك البلاغ، فإذا فعلت ذلك فليس من شأنك الوقوف مع هؤلاء - والله تعالى أعلم -.
وقوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [سورة الأنعام:107] أي: حافظاً تحفظ أقوالهم، وأعمالهم وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ [سورة الأنعام:107] أي: موكل على أرزاقهم، وأمورهم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [سورة الشورى:48] كما قال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية:22] وقال: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [سورة الرعد:40]".