الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [سورة الأنعام:115] قال قتادة: "صدقاً فيما قال، وعدلاً فيما حكم".

يقول تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ [سورة الأنعام:115] هذا على قراءة الكوفيين، وقرأ الباقون بالجمع: (وتمت كلمات ربك) والقراءة بالإفراد لـكَلِمَتُ يمكن أن تحمل على معنى الجمع باعتبار أن المفرد إذا أضيف فإنه يكون للعموم مثل قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:83] يعني نعم الله، فـنِعْمَتَ أضيفت إلى الاسم الظاهر - وهو الله - وكذلك إذا أضيف إلى الضمير كما في قوله تعالى: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي [سورة الممتحنة:1] يعني لا تتخذوا أعدائي، فـ"عدو" هنا أضيف إلى ياء المتكلم، ومنه أن يضاف إلى كاف الخطاب كقوله تعالى: أَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] يعني أو أصدقائكم.
قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ [سورة الأنعام:115] أو (وتمت كلمات ربك) كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله - فسر الكلمة أو الكلمات بأنها القرآن، وهذا مشى عليه كثير من المفسرين وإن اختلفت عباراتهم، وبهذا يكون المراد بالكلمة هنا الكلمات الشرعية.
قوله: صِدْقًا وَعَدْلاً [سورة الأنعام:115] أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، فأخبار هذا القرآن صدق، وأحكامه في غاية العدل.
"يقول: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الطلب، فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه، ولا شك".

قوله: "عدلاً في الطلب" المراد بالطلب يعني الأحكام - الأمر والنهي -؛ لأن الكلام إما أن يكون خبراً أو إنشاءً، والطلب من الإنشاء وهي الأحكام.
"فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل، فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة كما قال تعالى: يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ [سورة الأعراف:157] إلى آخر الآية.
لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [سورة الأنعام:115] أي: ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوال عباده الْعَلِيمُ [سورة الأنعام:115] بحركاتهم، وسكناتهم الذي يجازي كل عامل بعمله".

قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ [سورة الأنعام:115] فسر بالكلمات الشرعية، وقوله - تبارك وتعالى -: لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [سورة الأنعام:115] يمكن أن تفسر أيضاً بالكلمات الشرعية أيضاً، فيكون لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [سورة الأنعام:115] بمعنى أنه إذا أخبر عن شيء فلا بد أن يقع، وقد أخبر عما يكون في يوم القيامة فلا بد أن يقع، وأخبر عما يكون للكافرين فوقع ما أخبر به، وأخبر عن ظهور دين الرسول ﷺ فكان ذلك، وكذلك سائر الأخبار كما قال الله مثلاً عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: قُل لَّن تَتَّبِعُونَا [سورة الفتح:15] حيث أرادوا أن يبدلوا كلام الله فقالوا: ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ [سورة الفتح:15] فتكون هذه مفسرة للآية التي بين أيدينا وهي قوله تعالى: لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [سورة الأنعام:115]، والله أعلم.
وعلى كل حال فالكلمات تطلق على الكلمات الشرعية، وتطلق على الكلمات الكونية القدرية، فإذا قال الإنسان: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فهذا مقام استعاذة، فلو قصد بها الكلمات الشرعية فهذا يصح؛ لأن القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، والاستعاذة بالصفة أمر جائز لا إشكال فيه، فتقول: "أعوذ بعزة الله وقدرة من شر ما أجد وأحاذر"، وقال النبي ﷺ: أعوذ بوجهك[1] فهو استعاذ بالصفة، وهذا بخلاف الدعاء فإن الصفة لا تدعى، فلا تقول: يا عزة الله، لا، وإنما تقول: يا الله.. يا صاحب العزة .. يا عزيز ..، ففرق بين الاستعاذة وبين الدعاء.
كذلك يحتمل أن يكون معنى أعوذ بكلمات الله التامات يعني الكلمات الكونية القدرية التي لا يجاوزها برٌّ ولا فاجر، لكن أليق المعنيين، وأنسب بالمقام؛ مقام الاستعاذة الكلمات القدرية؛ لأنك تستعيذ من شر كل ذي شر، فكون ذلك يحمل على الكلمات القدرية أليق، وأنسب، وأكثر ارتباطاً بمقام الاستعاذة، والمقصود بالكلمات الكونية القدرية: كن فيكون من قوله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [سورة النحل:40] فهذه لا يجاوزها برٌّ ولا فاجر؛ لأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الأنعام (4352) (ج 4 / ص 1694).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ [الأنعام: 115] أي: صحت، والكلمات ما نزل على عباده من كتبه".

الكلمات هنا بمعنى الشرعية، وهذا اختاره ابن جرير - رحمه الله - [1] ونسبه ابن عاشور للجمهور[2] وقال به من السلف قتادة - رحمه الله -[3].

وقال بعضهم: المراد: القرآن، ولا منافاة، فيشمل ما نزل على عباده من كتبه، ومن ذلك القرآن، فالقول: بأنه ما نزل على عباده من كتبه أشمل، لكن عبارة قتادة، وابن جرير، والذي أضافه ابن عاشور للجمهور هو بهذا أنه القرآن، لكن لا منافاة مع ما ذكره ابن جزي، فالمقصود: أنها ليست الكلمات الكونية على هذا التفسير.

"قوله تعالى: صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام: 115] أي: صدقًا فيما أخبر، وعدلاً فيما حكم".

صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأحكام. 

 

  1. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/62).
  2. التحرير، والتنوير (8 - أ/18).
  3. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/199).