هذا إباحة من الله لعباده المؤمنين أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليها اسمه، ومفهومه أنه لا يباح ما لم يذكر اسم الله عليه كما كان يستبيحه كفار قريش من أكل الميتات، وأكل ما ذبح على النصب وغيرها".
جاء عن ابن عباس - ا - قال: أتى ناس النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل، ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلى قوله: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121][1] وهذا ثابت عن ابن عباس - ا - فهو سبب النزول، وهو دليل على أن ذلك نزل في الميتة، والميت: ما خرجت نفسه حتف أنفه، من غير تسبب، هذا حقيقةً، وحكمًا كما ذكر الله من الموقوذة، والنطيحة، وما أكل السبع، وكل ما تُسبِّب فيه، مما أكل السبع، أو وقذها أحد بحجر، أو صدمها بسيارة، أو غير ذلك، والمتردية التي سقطت في بئر، فهذه لا تؤكل؛ لأنها في حكم الميتة، غير مذكاة، وإنما يُؤكل ما ذُكر اسم الله عليه؛ يعني: ما ذُكي، فهذا المعنى دل عليه سبب النزول، وسبب النزول داخل في العموم، ودخوله فيه أقوى، وأولى من غيره، كما يقال بأن صورة السبب قطعية الدخول في العام، وإخراجها منه بالاجتهاد ممنوع، وصورة السبب هذه: ما مات من غير ذكاة، سواءً كانت حقيقةً، يعني هكذا لفظ أنفاسه من غير سبب ظاهر، أو كان بسبب لا يبيح الذكاة، كما لو صدمته سيارة، أو رمي بحجر، أو خشب، أو نحو ذلك، فهذا ميتة، لا يجوز، فهو داخل في مفهوم المخالفة فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 118] يعني: لا تأكلوا ما ليس كذلك، وجاء النهي عن ذلك صريحًا وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121] فهذا في الميتة، والذبائح، يعني ظاهر اللفظ العموم فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يعني عند الذبح وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ هذا تفسير منطوق بمفهوم، يعني منطوق الآية فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ والمفهوم لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله؛ وهذا جاء مصرحًا به في الآية الأخرى، فيكون من قبيل تفسير منطوق بمفهوم بآيةِ أخرى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فهنا قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ومفهومه المصرح به بقول: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يدخل فيه هذه التي لم تذك، ويدخل فيما ذكر عليه اسم غير الله، كاسم المسيح مثلاً، أو أسماء الشياطين، أو ما ترك التسمية عليه عمدًا، وتبقى صورة: ما ترك التسمية عليه نسيانًا، فالآية في ظاهرها تشمل ذلك جميعًا، وإن اختلفوا في متروك التسمية نسيانًا، فهل تحل الذبيحة، أو لا؟ فيه خلاف بين الفقهاء معروف، فمن حمل هذه الآية على الميتات، وكذلك في قوله: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أو قال أيضًا: بأنه ما لم يذكر عليه غير اسم الله فيجوز الأكل منه، ولو لم يسم عليه عمدًا، المهم ألا يذبح، ولا يهل به لغير الله، فبعض أهل العلم لا يوجب التسمية أصلاً؛ يعني: لو تركها عمدًا صحت الذبيحة عنده، وهذا أيضًا ليس محل اتفاق، والراجح أن التسمية واجبة، لكن يبقى النظر فيما لو تركت نسيانًا باعتبار أنها واجب يسقط مع النسيان مثلاً رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286].
يقول: "فإن حملناه على ذلك" يعني في الميتات "لم يكن فيه دليل على وجوب التسمية في ذبائح المسلمين" يعني لو تركها عمدًا لا إشكال "وإن حملناه على عمومه كان فيه دليل على ذلك، قال عطاء: وهذه الآية أمرٌ بذكر الله على الذبح، والأكل، والشرب" يعني: عممه أكثر من هذا، فليس فقط على الذبح؛ بل حتى لو أكل خبزًا، أو نحو ذلك، فإنه مأمور بالتسمية، وهو مأمور بالتسمية في قوله: يا غلام سمِ الله[2] فهذا أمر، والأمر للوجوب، لكن الآية هذه فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ سياقها في الذبائح وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام: 121] فأصله في الميتة؛ لأنهم جادلوهم في الميتة فقالوا: ما ذبحه الله بيده الشريفة تقولون: حرام، وما ذبحتم بأيديكم تقولون: حلال، إذًا أنتم أفضل من الله، فقال الله : وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [الأنعام: 121] فهذا القول الذي ذكره عطاء، وأن هذا العموم حتى في غير الذبائح، رده الشنقيطي - رحمه الله -[3] وبيّن أنها تختص بالذبيحة عند الذكاة، أو العقيرة عند الصيد، إذا أرسل كلبه، أو جارحه، أو أراد أن يرمي بسهم، ونحوه، فإنه يذكر اسم الله عند ذلك.