الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ [سورة الأنعام:127] وهي الجنة، عِندَ رَبِّهِمْ [سورة الأنعام:127] أي: يوم القيامة، وإنما وصف الله الجنة هاهنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم المقتفي أثر الأنبياء وطرائقهم، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفضوا إلى دار السلام.
وَهُوَ وَلِيُّهُمْ [سورة الأنعام:127] أي: حافظهم، وناصرهم، ومؤيدهم، بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:127] أي: جزاء على أعمالهم الصالحة تولاهم، وأثابهم الجنة بمنه، وكرمه".

يقول تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ [سورة الأنعام:127] إضافة الدار إلى السلام هنا يحتمل أن يكون المراد بالسلام أي: الله - تبارك وتعالى - فتكون الإضافة إلى السلام يعني لهم دار الله التي بناها لأوليائه، وعباده المتقين، فهذا تحتمله الآية لأن الله هو السلام، وهذا القول اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -.
ويحتمل أن يكون المراد بالسلام التحية، فتحية أهل الجنة السلام كما قال الله : تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ [سورة إبراهيم:23] ويشمل المعاني الثلاثة التي ذكرها السلف، أي: أن الله يحييهم بذلك كما قال تعالى: سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ [سورة يس:58] والملائكة تحييهم بهذا كما قال تعالى: وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۝ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد:24] وكذلك يحيي بعضهم بعضاً كما قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [سورة الأحزاب:44] فيحتمل هذه المعاني الثلاثة وكلها حق، فعلى هذا تكون الإضافة في قوله: دَارُ السَّلاَمِ باعتبار تحية أهل الجنة.
والمعنى الثالث هو أن المراد السلامة من الآفات، وهذا المعنى هو الأقرب، فالجنة هي دار النعيم المقيم لا تنغيص فيه، ولهم فيها المقام الكريم، فلا يجدون فيها شيئاً من المنغصات التي يجدها أهل الدنيا في دورهم، ومساكنهم، كما أن هذه المعاني الثلاثة التي ذكروها متلازمة كما قال الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، فمعنى السلام من أسماء الله السالم من كل عيب، ونقص، وآفة، وهو الذي سلم عباده من أن يظلمهم، وهو الذي يسلمهم أيضاً من الآفات وما أشبه ذلك، ولذلك إنما تطلب السلامة منه .
والسلام في التحية حينما تقول: السلام عليكم، هل المراد به أنك تلقي الاسم الكريم على هؤلاء الذين حييتهم بذلك؟ هذا يكون من قبيل الخبر وهو محتمل، ويحتمل أن يكون من باب الدعاء.
وأذكر لابن القيم - رحمه الله - كلاماً في هذا المعنى جمع فيه هذه الأشياء جميعاً في التحية بالسلام، وذكر أنها معانٍ متلازمة، وفصل في هذا تفصيلاً حسناً.
والخلاصة أن قوله: لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ [سورة الأنعام:127] يمكن أن يكون معناه: لهم دار السلامة من الآفات على أنه لا منافاة بين هذا المعنى والمعاني الأخرى، بل بين هذه المعاني ملازَمة، باعتبار أن السلام سواء نظرت إليه باعتبار أنه من أسماء الله، أو باعتبار التحية، أو باعتبار السلامة؛ فإن معناه السلامة من الآفات الحسية، والمعنوية، ولذلك فإن الله حينما يذكر الجنة يذكر الخلود معها غالباً؛ لأن الموت هو الذي ينغص على الإنسان لذته، وراحته، وسعادته، فمهما كان المكان الذي يقيم فيه مليئاً بالحبور، والسعة، والنعيم، والراحة؛ إلا أنه إذا تذكر الموت تنغص عليه ذلك، فالجنة لا يوجد فيها مثل هذا التنغيص، بل هي مقام كريم، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها إنه جواد كريم.

مرات الإستماع: 0

"دارُ السَّلامِ [الأنعام: 127] الجنة، والسلام هنا يحتمل أن يكون اسم الله، فأضافها إليه؛ لأنها ملكه، وخلقه، أو بمعنى السلامة، أو التحية". 

قال: "يحتمل أن يكون اسم الله، فأضافها إليه" وهذا اختيار ابن جرير - رحمه الله - دار السلام[1] لكن هذه الإضافة لخصوص هذا الاسم على هذا القول له دلالة تتصل بالمعنى الآخر أنه من السلامة، فإن اسم الله السلام يدل على هذا المعنى، ويتضمنه، فيكون بين المعنيين ملازمة، وإذا كان بين المعنيين ملازمة فيمكن الجمع بينهما، قال: "فأضافها إليه؛ لأنها ملكه، وخلقه، أو بمعنى السلامة" يعني هي دار السلامة من كل آفة، فليس فيها علة، ولا مرض، ولا هم، ولا آفة من الآفات، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن القيم - رحمه الله - بأنها دار السلامة[2].

والمعنى الثالث قال: "أو التحية" تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ [إبراهيم: 23] فابن القيم - رحمه الله - ذكر أن هذه المعاني الثلاثة متلازمة، فهي دار السلام، أي الله - تبارك، وتعالى - وهذا الاسم يتضمن معنى السلامة، والتحية التي يلقونها بينهم، ويحيون بها من قبل الله، ومن قبل الملائكة هي السلام، فلا يحتاج مثل هذا إلى ترجيح - والله أعلم -. 

  1. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/114).
  2. أحكام أهل الذمة (1/417 - 418).