الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُوا۟ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّى عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُۥ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ ۗ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:135] هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، أي استمروا على طريقتكم، وناحيتكم؛ إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي، ومنهجي؛ كقوله: وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ۝ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة هود:122].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: عَلَى مَكَانَتِكُمْ ناحيتكم، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [سورة الأنعام:135] أي: أتكون لي أو لكم .. وقد أنجز الله موعده لرسوله - صلوات الله عليه - أي فإنه - تعالى - مكَّنه في البلاد، وحكَّمَه في نواصي مخالفيه من العباد، وفتح له مكة، وأظهره على من كذبه من قومه، وعاداه، وناوأه، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب، وكذلك اليمن، والبحرين، وكل ذلك في حياته، ثم فتحت الأمصار، والأقاليم، والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه أجمعين كما قال الله - تعالى -: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة المجادلة:21] وقال: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ۝ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [سورة غافر:51-52] وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [سورة الأنبياء:105]".

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ [الأنعام: 135] الأمر هنا للتهديد، والمكانة التمكن".

مكانتكم أي: مكانكم، أو مواضعكم، أو ناحيتكم، أو ما أنتم عليه مما ارتضيتم لأنفسكم، كما قال الله : وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ۝ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [هود: 121 - 122].

"فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام: 135] تهديد مَنْ تَكُونُ لَهُ يحتمل: أن تكون (من) موصولة في موضع نصب على المفعولية، أو استفهامية في موضع رفع بالابتداء.

عاقِبَةُ الدَّارِ أي: الآخرة، أو الدنيا، والأول أرجح؛ لقوله: عُقْبَى الدَّارِ ۝ جَنَّاتُ عَدْنٍ [الرعد: 22 - 23]".

القول بأنها الدنيا هذا ظاهر كلام ابن كثير[1] والقول بأنها الآخرة هو ما رجحه ابن جزي.

ويمكن الحمل على المعنيين، كما قال الله : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد [غافر: 51] فذكر هذا، وهذا وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون [الأنبياء: 105] والأرض فسرت بالأرض في الدنيا، وأرض الجنة، وكذلك قوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور: 55] فهذا كله يدل على الاستخلاف في الأرض، التي هي الأرض هذه، وكذلك بعض ذلك يدل على الآخرة، فلهم هذا، وهذا، فيكون عاقبة الدار: في الدنيا، والآخرة، وهذا كأنه الأقرب - والله أعلم -.

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/343).