الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلْأَنْعَٰمِ نَصِيبًا فَقَالُوا۟ هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَآئِنَا ۖ فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ ۗ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ [سورة الأنعام:136] هذا ذم وتوبيخ من الله للمشركين الذين ابتدعوا بدعاً، وكفراً، وشركاًَ، وجعلوا لله جزءاً من خلقه وهو خالق كل شيء ، ولهذا قال تعالى: وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ أي: مما خلق وبرأ مِنَ الْحَرْثِ أي: من الزرع، والثمار وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا أي: جزءاً، وقسماً، فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا [سورة الأنعام:136].
وقوله: فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ [سورة الأنعام:136] قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس - ا - أنه قال في تفسير هذه الآية: إن أعداء الله كانوا إذا حرثوا حرثاً، أو كانت لهم ثمرة؛ جعلوا لله منه جزءاً، وللوثن جزءاً، فما كان من حرث، أو ثمرة، أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه، وأحصوه، وإن سقط منه شيء فيما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقى شيئاً جعلوه لله جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمر الذي جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا: هذا فقير، ولم يردوه إلى ما جعلوه لله، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه لله فسقى ما سمي للوثن؛ تركوه للوثن.
وكانوا يحرمون من أموالهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمونه قربة لله فقال الله - تعالى -: وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا الآية [سورة الأنعام:136] وهكذا قال مجاهد، وقتادة، والسدي وغير واحد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية: كل شيء يجعلونه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبداً حتى يذكروا معه أسماء الآلهة، وما كان للآلهة لمن يذكروا اسم الله معه، وقرأ الآية حتى بلغ: سَاء مَا يَحْكُمُونَ [سورة الأنعام:136] أي: ساء ما يقسمون فإنهم أخطؤوا أولاً في القسم؛ لأن الله - تعالى - هو رب كل شيء، ومليكه، وخالقه، وله الملك، وكل شيء له، وفي تصرفه، وتحت قدرته؛ ومشيئته لا إله غيره، ولا رب سواه، ثم لما قسموا فيما زعموا القسمة الفاسدة لم يحفظوها؛ بل جاروا فيها، كقوله - جل وعلا -: وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ [سورة النحل:57]، وقال تعالى: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ [سورة الزخرف:15]، وقال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى [سورة النجم:21]، وقوله: تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [سورة النجم:22]".

مرات الإستماع: 0

"وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا [الأنعام: 136] الضمير في جعلوا لكفار العرب. قال السهيلي: هم حيّ من خولان، يقال لهم: الأديم كانوا يجعلون من زروعهم، وثمارهم، ومن أنعامهم نصيبا لله، ونصيبا لأصنامهم.

ومعنى ذرأ: خلق، وأنشأ، ففي ذلك ردّ عليهم؛ لأن الله الذي خلقها، وذرأها: هو مالكها لا رب غيره."

فقوله - تبارك، وتعالى -: وَجَعَلُوا لِلَّهِ هذا في المشركين، وما ذكره السهيلي من أن هذا حي من خولان، يقال لهم: الأديم يلقبون بهذا، هذا باعتبار أن السهيلي يعنى بالمبهمات في القرآن، وله كتاب معروف في هذا، وقد مضى الكلام على هذه الكتب في المبهمات في الكلام على كتب التفسير، وما يتصل بها[1] مثل هذه لا فائدة من ذكرها، والاشتغال بها، وقد لا يختص ذلك بهم، أعني هذا الحي.

وقوله - تبارك، وتعالى -: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا يعني الزروع، والبساتين، والأنعام المعروفة الإبل، والبقر، والغنم.

"بِزَعْمِهِمْ أي: بدعواهم، وقولهم من غير دليل، ولا شرع، وأكثر ما يقال الزعم: في الكذب."

هذا مضى في مناسبات شتى أن ذلك يقال في الكذب من الكلام، أو فيما يوهن منه، وقد تأتي زعم بمعنى قال من غير قصد؛ لتوهين، أو تكذيب لكنه قليل.

"وقرئ بفتح الزاي، وضمها، وهما لغتان"

هذه قراءة الجمهور، وقراءة الكسائي بالضم ضم الزاي، وهما لغتان لا يتأثر المعنى بهما.

فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ الآية كانوا إذا هبت الريح، فحملت شيئا من الذي لله إلى الذي للأصنام أقروه، وإن حملت شيئا من الذي للأصنام إلى الذي لله ردّوه، وإذا أصابتهم سنة أكلوا نصيب الله، وتحاموا نصيب شركائهم."

المقصود بالشركاء هنا الأوثان التي يعبدونها من دون الله - تبارك، وتعالى - مثل: الحام، والسائبة، والوصيلة، وما أشبه ذلك مما يجعلونه لأوثانهم.

وقوله هنا: وإذا أصابتهم سنة أكلوا نصيب الله يعني إذا أصابهم قحط، ومجاعة أكلوا نصيب الله، وتحاموا يعني تحاشوا نصيب الأوثان يعني لا يقربونهم، وهم بزعمهم أن الله غني. 

  1. السلسلة على الرابط: https: //khaledalsabt.com/cnt/slasel/tid/478