الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّىٓ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد ﷺ الذي بعثه بالتوحيد العظيم، وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم: قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة الأنعام:14] كقوله: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ [سورة الزمر:64] والمعنى لا أتخذ ولياً إلا الله وحده لا شريك له، فإنه فاطر السماوات والأرض أي: خالقهما، ومبدعهما على غير مثال سبق.
وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ [سورة الأنعام:14] أي: وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الآية [سورة الذاريات:56] وقرأ بعضهم هاهنا: وهو يُطعِمُ ولا يَطَعَمُ".

قوله تعالى: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ [سورة الأنعام:14] هو بمعنى الصمد، أي الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها، وأرزاقها، وحوائجها، فالكل مفتقر إليه، وهو ليس مفتقراً لأحد سواه فله الغنى الكامل، وهذا أحد المعاني التي تذكر في الصمد، ومن معاني الصمد أي الذي لا جوف له.
وفي هذه الآية قراء أخرى هكذا: وهو يُطعِمُ ولا يَطَعَمُ فقوله: وَلاَ يُطْعَمُ [سورة الأنعام:14] يعني أنه الغني الذي لا يفتقر إلى غيره، وقوله: ولا يَطعَم يعني أنه لا يأكل، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى كمال غناه، وعدم افتقاره إلى غيره، والقراءة الثانية هي قراءة سعيد بن جبير، ومجاهد، والأعمش، لكنها من الشواذ وليست متواترة.
وكمال الغنى يعرف من نصوص كثيرة، فالاسم المباشر الذي يدل عليه هو الغَنِيّ، والصفة المباشرة التي تدل عليه هي الغِنَى، ويعرف ذلك من نصوص أخرى كهذا الذي في سورة الأنعام، وكقوله - تبارك وتعالى - مثلاً: مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [سورة البقرة:255] يعني لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، فهذا يدل على كمال غناه؛ لأن الذي يُشفع عنده من المخلوقين إنما يقبل شفاعتهم عنده بغير إذنه، فهو إما أنه يقبل شفاعتهم لافتقاره إليهم كخوف غوائلهم، أو لأن سلطانه لا يقوم إلا بهم أو نحو ذلك، أما الله فهو الغني عن خلقه، فلا أحد يشفع عنده إلا بإذنه.
وكذلك قوله تعالى: لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [سورة البقرة:255] يدل على كمال الملك، وكمال الغنى أيضاً.
ومن النصوص الدالة على كمال غناه أيضاً قوله ﷺ: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده[1].
"وقرأ بعضهم هاهنا: وهو يطعم ولا يَطَعم أي: لا يأكل.
وفي حديث عن أبي هريرة قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبيَّ ﷺ على طعام، فانطلقنا معه فلما طعم النبي ﷺ، وغسل يديه قال: الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، ومنَّ علينا فهدانا، وأطعمنا، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودع ربي، ولا مكافأً، ولا مكفور، ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وهدانا من الضلال، وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين[2].
قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [سورة الأنعام:14] أي: من هذه الأمة وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ".

 

في قوله تعالى: قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [سورة الأنعام:14] قال: "أي: من هذه الأمة"، وهذا باعتبار أن النبي ﷺ مسبوق إلى الإسلام، فنوح ﷺ ومن جاء بعده من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، ووصية يعقوب لبنيه، وما دل عليه قوله - تبارك وتعالى -: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ [سورة المائدة:44]؛ كل هؤلاء سبقوا النبي ﷺ، فالمقصود بذلك ضرورة من هذه الأمة.

  1. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [سورة ص:75] (6976) (ج 6 / ص 2697).
  2. أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب عمل اليوم والليلة - ما يقول إذا غسل يديه (10133) (ج 6 / ص 82)

مرات الإستماع: 0

"قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا [الأنعام: 14] إقامة حجة على الكفار، ورد عليهم بصفات الله الكريم التي لا يشاركه غيره فيها، [في جميع النسخ: الكريمة]."

لا إشكال، رد عليهم بصفات الله الكريم، أو الكريمة، كل هذا يصح.

وقوله: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا [الأنعام: 14] الولي هو الناصر، والولاية تأتي بمعنى النصرة.

"قوله تعالى: أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [الأنعام: 14] أي: من هذه الأمة لأن النبي ﷺ سابق أمته إلى الإسلام.

قوله تعالى: وَلا تَكُونَنَّ [الأنعام: 14] في الكلام حذف تقديره، وقيل لي: ولا تكونن من المشركين، أو يكون معطوفا على معنى أمرت فلا حذف، وتقديره: أمرت بالإسلام، ونهيت عن الإشراك."

وهذا الأصل باعتبار أن الأصل عدم التقدير، وإذا دار الكلام بين الاستقلال، والحذف فالأصل الاستقلال.