الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا [سورة الأنعام:25] أي: يجيئون ليستمعوا قراءتك، ولا تجزي عنهم شيئاً؛ لأن الله جعل على قلوبهم أكنة أي: أغطية؛ لئلا يفقهوا القرآن وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا أي: صمماً عن السماع النافع لهم، كما قال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء الآية [سورة البقرة:171]".

هذا مثل ما ذكر الله في الموضع الآخر أنهم إذا خرجوا من عند النبي ﷺ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [سورة محمد:16] فهم يأتون، ويسمعون، ولكن لا ينتفعون بما سمعوا كما ينتفع المؤمنون قال تعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [سورة التوبة:124-125].
قوله: وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [سورة الأنعام:25] الوَقر - بفتح الواو - هو الصمم أي الثقل الذي يكون في السمع، والوِقر - بكسر الواو - هو الحمل، فتقول مثلاً: أوقرت دابته، وتقول: معه وِقرٌ من طعام.
"وقوله: وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا [سورة الأنعام:25] أي: مهما رأوا من الآيات، والدلالات، والحجج البينات، والبراهين لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا [سورة الأنعام:25] فلا فهم عندهم، ولا إنصاف، كقوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ الآية [سورة الأنفال:23].
وقوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ [سورة الأنعام:25] أي: يحاجونك، ويناظرونكم في الحق بالباطل، يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [سورة الأنعام:25] أي: ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذاً من كتب الأوائل، ومنقول عنهم".

الأساطير جمع أسطار، أو أسطورة، أو أسطارة، أو أسطور، أو أسطير فكل ذلك قد قيل فيه، ويُقصد به ما كتبه الأولون وسطروه، فهو من السطر بمعنى الكتابة، ومرادهم هنا أن ما جاء به النبي - عليه الصلاة والسلام - ليس من عند الله وليس بوحي، وإنما هو من مختلقات الأولين، وحكاياتهم، وأخبارهم وما أشبه ذلك.

مرات الإستماع: 0

"وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الأنعام: 25] الضمير عائد على الكفار، وأُفرد يستمع، وهو فعل جماعة حملاً على لفظ من.

قوله تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ [الأنعام: 25]."

يعني باعتبار أن من لفظ مفرد، والمعنى الجمع، فأحيانًا يراعى اللفظ، وأحيانًا يراعى المعنى، بهذا الاعتبار.

"أكنة جمع كنان، وهو الغطاء، وأن يفقهوه في موضع مفعول من أجله تقديره: كراهة أن يفقهوه."

الكنان، أو الغطاء، يعني هذه اللفظة تدل على ستر، وتغطية.

"ومعنى الآية: أن الله حال بينهم، وبين فهم القرآن إذا استمعوه، وعبر بالأكنة، والوقر مبالغة، وهي استعارة."

الوقر هو الصمم، والثقل الذي يكون في السمع.

يقول: وهي استعارة، الاستعارة معروفة، هي تشبيه حذفت أداته، وأحد طرفيه، ووجه الشبه، على خلاف بينهم هل الاستعارة من المجاز، أو ليست من المجاز.

"قوله تعالى: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنعام: 25] أي: قصصهم، وأخبارهم، وهو جمع أسطار، وأسطورة."

أو يعني إسطارة، أو أسطور، أو أسطير، كل هذا.

"قال السهيلي: حيث ما، ورد في القرآن أساطير الأولين، فإن قائلها هو النضر بن الحارث، وكان قد دخل بلد فارس، وتعلم أخبار ملوكهم، فكان يقول حديثي أحسن من حديث محمد[1]."

السهيلي له كتاب معروف، الذي هو المبهمات في القرآن؛ فيتبع هذا، وهو مما لا فائدة فيه في الغالب، و المقصود بــأَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني: الأباطيل، الأباطيل: ما سطر من أخبار السابقين، أو ما سطروه هم من الكتب، يعني السابقين، وغالبًا ما يقال هذا على الأباطيل، يعني ما سطر من الباطل، أو ما يحكى من الباطل، وإذا أطلق توجه إلى ذلك أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني: الأباطيل، والمختلقات، التي سطرها الأولون. 

  1. غوامض الأسماء المبهمة، والأحاديث المسندة في القرآن (ص: 51).