الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ۝ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۝ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ۝ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة الأنعام:50-54].
يقول الله تعالى لرسوله ﷺ: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ [سورة الأنعام:50] أي: لست أملكها، ولا أتصرف فيها وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [سورة الأنعام:50] أي: ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، إنما ذاك من علم الله ، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ أي: ولا أدعي أني ملك إنما أنا بشر من البشر يوحى إليَّ من الله شرفني بذلك، وأنعم عليَّ به".

يقول تعالى: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [سورة الأنعام:50]: هذه الآية ردٌّ على المقترحين على الله الآيات، وذلك أن هؤلاء تارة يطلبون أن يحول لهم الصفا إلى ذهب، وتارة يطلبون ملكاً ينزل من السماء من أجل أن يكون معه نذيراً، وتارة يتعجبون من صفته كما قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان:7] إلى غير ذلك، فردَّ عليهم قائلاً: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [سورة الأنعام:50].
وقوله تعالى: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [سورة الأنعام:50] هذا أحد المواضع التي يتكلمون فيها على المفاضلة بين الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وبين الملائكة، أو بين الملائكة وبين صالحي البشر، وهو مبحث لا طائل تحته، والاشتغال فيه لا يُجنى منه فائدة، وإنما هو اشتغال بما لا يعني، والاشتغال بما لا يعني مذموم، ثم إن هذه الآية لا تدل على هذا الأمر إطلاقاً؛ وإنما ذَكَرَت أن هؤلاء القوم أرادوا من النبي ﷺ أن يكون رسولاً ملائكياً، وأن يتخلى عن صفات البشرية من الأكل، والاكتساب وما أشبه ذلك، فقال لهم: كل ذلك لا يتأتى مني، فأنا لست بملَك، ولست بعالم للغيب، وليست خزائن الله بيدي، والله تعالى أعلم.
"ولهذا قال: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [سورة الأنعام:50] أي: لست أخرج عنه قيد شبر، ولا أدنى منه".

قوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [سورة الأنعام:50] جاء بصيغة الحصر رداً عليهم، ولا تدل الآية على أن النبي ﷺ قد يقع منه اجتهاد، أو لا يقع منه، فهذه الصيغة في الحصر تدل على أنه يتبع ما يوحى إليه في كل شيء، لكن قد جاءت أدلة أخرى تدل على أنه قد يجتهد في بعض الأمور - عليه الصلاة والسلام - ولكن الوحي يؤيده، فإذا وقع اجتهاده على وجه جاء الوحي يقومه أو يقرره، ولهذا يقال: إن كل ما جاء عن النبي ﷺ فهو حق؛ لأنه مؤيد بالوحي، وقد اجتهد النبي ﷺ في أسارى بدر فجاء الوحي وبيّن العمل الذي كان ينبغي أن يكون تجاه هؤلاء الأسارى قال تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [سورة الأنفال:67].
فهذه الآية وإن كانت في أسلوب الحصر إلا أن مثل هذا يجمع مع غيره لا سيما أن هذه الآية في مقام الرد على المشركين الذين يطالبونه بأشياء من عند نفسه، فهو يقول: أنا أتبع ما يوحى إليَّ، كقوله تعالى: قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ [سورة الأنعام:145] فهذه الآية لا تدل على أنه لم تحرم أشياء أخرى لكن هذا في مقام الرد على هؤلاء المفترين على الله الذين حرموا ما أحل الله، وحللوا ما حرم الله، فهو ردَّ عليهم بهذه الطريقة، والله أعلم.
"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [سورة الأنعام:50] أي: هل يستوي من اتبع الحق، وهُدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له؟ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [سورة الأنعام:50]".

هذا الاستفهام في قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي مضمن معنى النفي، أي: لا يستوي، والقاعدة أن نفي الاستواء في مثل هذا يحمل على أعم معانيه، أي لا يستوي في عمله، وحاله، ولا يستوي في مآله، وعاقبته؛ فهذا إلى الجنة، وهذا إلى النار.
"أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [سورة الأنعام:50] وهذه كقوله تعالى: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [سورة الرعد:19]".

مرات الإستماع: 0

"قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّه [الأنعام: 50] الآية: أي لا أدعي شيئا منكرا، ولا يستبعد، إنما أنا نبي رسول كما كان غيري من الرسل."

قوله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّه أي: خزائن الرزق.

"قوله تعالى: الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ [الأنعام: 50] مثال للضال، والمهتدي."

يعني أن ذلك من قبيل المثل، الضال، والمهتدي، وهذا يرد في القرآن كثيرًا أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [الرعد: 19] فهذا صريح بهذا المعنى، وهكذا أيضًا الحي، والميت، يقال: للمؤمن، والكافر، المهتدي، والضال.