الضمير في قوله تعالى: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ يعود إلى القرآن، وهذا اختيار كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - وهو الظاهر المتبادر، وقد قال قبله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [سورة الأنعام:50] فأول ما يتبادر أن الذي يوحى إليه هو القرآن، وإن كان يوحى إليه أيضاً غير القرآن، لكن وإن كان قوله: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [سورة الأنعام:50] أعم من القرآن؛ فإن الضمير يمكن أن يرجع إلى غير مذكور قبله؛ لأن ذلك معلوم من السياق، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [سورة القدر:1] أي: القرآن، ومن ذلك قوله: مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ [سورة فاطر:45] يعني الأرض.
وقوله - تبارك وتعالى - عن سليمان ﷺ: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [سورة ص:32] - على التفسير المشهور - أي الشمس غابت، مع أن الشمس لم تذكر قبل وإنما علم أنها مرادة من السياق.
وبعضهم يقول: وَأَنذِرْ بِهِ [سورة الأنعام:51] يعني وأنذر بالله ، وهذا فيه بعد، وليس معهوداً بالقرآن.
وقول من قال: وَأَنذِرْ بِهِ [سورة الأنعام:51] يعني اليوم الآخر، وإن كان أقرب من الذي قبله - أي القول بأنه يعني الله تبارك وتعالى -؛ إلا أن الظاهر المتبادر أن الضمير يعود إلى القرآن، والله يقول: لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [سورة الأنعام:19] فالنذارة تكون بالقرآن، والله أعلم.
يقول: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ [سورة الأنعام:51] والخوف يأتي بإزاء معنيين:
المعنى الأول: الخوف بمعنى العلم كقول الشاعر:
وإذا ما مت فادفني تحت كرمة | تروي عظامي في الممات عروقها |
ولا تدفنني في الفلاة فإني | أخاف إذا ما مت ألا أذوقها |
المعنى الثاني: الخوف بمعنى الغم من أمر مستقبل، وهذا هو الاستعمال الشائع الأغلب، والآية هنا تحتمل المعنيين، فقوله: وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ [سورة الأنعام:51] يمكن أن يفسر بمعنى العلم أي: يعلمون أنهم يحشرون إلى الله - تبارك وتعالى - فيدخل بهذا أهل الإيمان، ويدخل فيه أيضاً من كان مؤمناً بالبعث كأهل الكتاب.
ويفسر الخوف بالمعنى الآخر - أي الخوف بمعناه الشائع الأغلب - فيكون على هذا شاملاً لمن كان من أهل الإيمان، ولمن لم يؤمن بالنبي ﷺ؛ لكنه يخاف أن يحشر إلى الله فتكون صفقته خاسرة، أي أنه قد لا يؤمن بالنبي ﷺ، لكنه يغتم لتوقعه المكروه في الآخرة، فهو يريد أن يبحث عن مخرج يحصل به خلاصه إن حصل البعث، ومثل هؤلاء قد ينتفعون ويتأثرون بالقرآن، والآية تحتمل المعنيين كما سبق، والله أعلم.
سبق في (لعل) أنها يمكن أن تكون للترجي، ويمكن أن تكون للتعليل، فعلى الأول يكون قوله: لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة الأنعام:51] أي على رجائك، وبهذا يكون روعي فيها حال المخاطب، وعلى أنها للتعليل يكون المعنى من أجل أن يتقوا الله ، أو يتقوا اليوم الآخر.