يقول تعالى مخبراً عن المشركين، وعنادهم، ومكابرتهم للحق، ومباهتتهم، ومنازعتهم فيه: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] أي: عاينوه، ورأوا نزوله، وباشروا ذلك لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [سورة الأنعام:7] وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وكقوله تعالى: وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ [سورة الطور:44]".
كان المشركون يقترحون الآيات على النبي ﷺ، ومما قالوا له: إنهم لن يؤمنوا حتى يرقى في السماء، ويأتيهم بكتاب من عند الله كما في سورة الإسراء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ [سورة الإسراء:93] فالله ردّ على قولهم ذلك قائلاً: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [سورة الأنعام:7] يعني مكتوباً في قرطاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] وذلك أبلغ ما يكون من الإحساس، لكذبوا، ولكابروا، وهذا كما قال الله : وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وفي القراءة الأخرى: سُكِرَتْ يعني سُدَّت، يعني لو رأوا باباً مفتوحاً إلى السماء فظلت الملائكة تعرج أمامهم - على أحد القولين في تفسير الآية - لقالوا: نحن قد سُحِرنا.
وعلى القول الآخر لو فتح هذا الباب لهم، وصاروا يعرجون إلى السماء؛ لقالوا: إنما سكِّرت أبصارنا، وذلك على سبيل المكابرة لا على ما يقوله أصحاب الإعجاز العلمي بأنهم يصلون إلى ظلمة بعد الغلاف الجوي فيقولون: سكرت أبصارنا، فالقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآيات الأخرى كلها تدل على أنه مهما جاءهم من الآيات فإنهم يكذبون، ويكابرون كما قال تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الإسراء:59] وسيأتي بيان ذلك أيضاً عند قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9].
والحاصل أنهم يقترحون أن يكون الرسول إليهم ملَكاً، والله يقول: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ [سورة الأنعام:8] يعني أنهم لن يؤمنوا به، وسيأتيهم العذاب بسبب تكذيبهم، والله تعالى أعلم.
قال تعالى: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [سورة الأنعام:8] أي: ليكون معه نذيراً كما قال الحافظ - رحمه الله - بمعنى أنهم يريدون أن يكون معه ملك يشهد بما جاء به ليكون معيناً، ومقوياً له، ومصدقاً لكلامه، كما قال الله في الآية الأخرى التي تفسر مرادهم بطلب الملَك حيث قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان:7].