السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰبًا فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ۝ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ۝ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ۝ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ۝ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [سورة الأنعام:7-11].
يقول تعالى مخبراً عن المشركين، وعنادهم، ومكابرتهم للحق، ومباهتتهم، ومنازعتهم فيه: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] أي: عاينوه، ورأوا نزوله، وباشروا ذلك لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [سورة الأنعام:7] وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وكقوله تعالى: وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ [سورة الطور:44]".

كان المشركون يقترحون الآيات على النبي ﷺ، ومما قالوا له: إنهم لن يؤمنوا حتى يرقى في السماء، ويأتيهم بكتاب من عند الله كما في سورة الإسراء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ [سورة الإسراء:93] فالله ردّ على قولهم ذلك قائلاً: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [سورة الأنعام:7] يعني مكتوباً في قرطاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] وذلك أبلغ ما يكون من الإحساس، لكذبوا، ولكابروا، وهذا كما قال الله وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وفي القراءة الأخرى: سُكِرَتْ يعني سُدَّت، يعني لو رأوا باباً مفتوحاً إلى السماء فظلت الملائكة تعرج أمامهم - على أحد القولين في تفسير الآية - لقالوا: نحن قد سُحِرنا.
وعلى القول الآخر لو فتح هذا الباب لهم، وصاروا يعرجون إلى السماء؛ لقالوا: إنما سكِّرت أبصارنا، وذلك على سبيل المكابرة لا على ما يقوله أصحاب الإعجاز العلمي بأنهم يصلون إلى ظلمة بعد الغلاف الجوي فيقولون: سكرت أبصارنا، فالقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآيات الأخرى كلها تدل على أنه مهما جاءهم من الآيات فإنهم يكذبون، ويكابرون كما قال تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الإسراء:59] وسيأتي بيان ذلك أيضاً عند قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9].
والحاصل أنهم يقترحون أن يكون الرسول إليهم ملَكاً، والله يقول: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ [سورة الأنعام:8] يعني أنهم لن يؤمنوا به، وسيأتيهم العذاب بسبب تكذيبهم، والله تعالى أعلم.

"وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [سورة الأنعام:8] أي: ليكون معه نذيراً".

قال تعالى: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [سورة الأنعام:8] أي: ليكون معه نذيراً كما قال الحافظ - رحمه الله - بمعنى أنهم يريدون أن يكون معه ملك يشهد بما جاء به ليكون معيناً، ومقوياً له، ومصدقاً لكلامه، كما قال الله  في الآية الأخرى التي تفسر مرادهم بطلب الملَك حيث قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان:7].

"قال الله تعالى: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ [سورة الأنعام:8] أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب، كما قال الله تعالى: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ [سورة الحجر:8] وقوله: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ الآية [سورة الفرقان:22]".

مرات الإستماع: 0

"وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا فِي قِرْطاسٍ [الأنعام: 7] الآية: إخبار أنهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم أوضح الآيات، والمراد بقوله: فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام: 7] أي: لو بالغوا في تمييزه، وتقليبه ليرتفع الشك لعاندوا بذلك، يشبه أن يكون سبب هذه الآية قول بعضهم للنبي ﷺ: لا أومن بك حتى تأتي بكتاب من السماء يأمرني بتصديقك، وما أُراني مع هذا أصدقك."

قوله - تبارك، وتعالى - : وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [الأنعام: 7] ذهب ابن جرير إلى أن المقصود بذلك القرآن[1] يعني هذا القرآن لو نزل في قرطاس، والقرطاس معروف أنه ما يكتب فيه من صحيفة، ورق، ونحو ذلك، وما ذكره هنا من سبب النزول، أن بعضهم قال للنبي ﷺ: "لا أؤمن بك.. الخ" هذا جاء عن الكلبي[2] أن مشركي مكة قالوا: يا محمد، والله لا نؤمن لك، حتى تأتينا بكتاب من عند الله، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله، وأنك رسوله، فنزلت الآية هذه وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [الأنعام: 7] لكن هذا لا يصح بحال.

"في قوله: فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام: 7] لو بالغه في تمييزه؛ في جميع النسخ: [في ميزه]."

لا إشكال.

"قال: وفي قوله: لعاندوا بذلك في جميع النسخ: [لعاندوا بعد ذلك]."

أحسن بعد ذلك، ويصح لعاندوا بذلك، لكن بعد ذلك أوضح.

"والكلمة التي بعدها: يشبه أن يكون بإضافة الواو [ويشبه أن يكون سبب هذه الآية]."

ويشبه أن يكون سبب بالواو.

"وأيضًا في قوله: لا أومن بك قال: [لا أؤمن لك] في جميع النسخ."

يقول في الرواية: "والله لا نؤمن لك" فتُعدل هذه.

"حتى تأتي [حتى تأتيني]."

في الرواية "حتى تأتينا". 

  1. تفسير الطبري (9/158).
  2. تفسير ابن كثير (5/119).