وقوله: وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] يعني يوم القيامة الذي يقول الله: كن فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب.
وَيَوْمَ منصوب، إما على العطف على قوله: وَاتَّقُوهُ وتقديره: واتقوا يوم يقول كن فيكون، وإما على قوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [سورة الأنعام:73] أي: وخلق يوم يقول كن فيكون، فذكر بدء الخلق وإعادته، وهذا مناسب، وإما على إضمار فعل تقديره: واذكر يوم يقول كن فيكون".
فقوله - تبارك وتعالى -: وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] يحتمل أن يكون الكلام قد تم في هذا الموضع أي يكون الكلام هكذا: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] يعني ويوم يقول: كن تبدل السماوات والأرض، ثم ابتدأ في الكلام الجديد وهو الخبر عن القول فقال: قَوْلُهُ الْحَقُّ [سورة الأنعام:73] بمعنى أن وعده هذا الذي وعده هو الحق يعني تبديل السماوات، والأرض؛ وعد حق لا شك فيه، وقيل بهذا الاحتمال؛ لأنه قال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] أي ويوم يقول: كن يحصل تبديل السماوات، والأرض، والمقصود أن الآية تحتمل هذا باعتبار أنه ذكر خلق السماوات، والأرض؛ فيكون قوله: كُن متعلق بتبديلها يوم القيامة.
ويحتمل أن يكون قوله تعالى: قَوْلُهُ الْحَقُّ [سورة الأنعام:73] متعلق بقوله: وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] وعلى هذا يكون المعنى: وهو الذي خلق السماوات، والأرض بالحق، ويوم يبدلها غير السماوات، والأرض فيقول لذلك: كن، فيكون قولُه الحق، وعلى هذا يكون قَوْلُهُ مرفوع متعلق بـيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] يعني أن الذي يكون هو قوله الحق.
هذان وجهان تحتملهما الآية ذكرهما كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - وأما الحافظ ابن كثير - رحمه الله - فيقول: "وقوله: وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] يعني يوم القيامة الذي يقول الله: كن، فيكون..." وعلى هذا يكون فيه مقدر محذوف، والمقدر المحذوف هو التبديل، والتغيير في نظام هذا الكون حيث تبدل السماوات، والأرض يوم القيامة الذي يقول الله له كن فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب.
يقول الحافظ - رحمه الله -: "وَيَوْمَ منصوب، إما على العطف على قوله: وَاتَّقُوهُ وتقديره: واتقوا يوم يقول كن فيكون" يعني واتقوا يوم يقول: كن فيكون، لكن هذا المعنى لا يخلو من بُعد؛ لأنه قال: وَاتَّقُوهُ [سورة الأنعام:72].
يقول الحافظ - رحمه الله -: "وإما على قوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [سورة الأنعام:73] أي: وخلق يوم يقول كن فيكون، فذكر بدء الخلق، وإعادته؛ وهذا مناسب" يعني أن يكون مرتبطاً بقوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [سورة الأنعام:73].
ثم قال: "وإما على إضمار فعل تقديره: واذكر يوم يقول كن فيكون" وهذا كثير في القرآن، ويذكره كثير من المفسرين في مثل هذا الموضع أي أن قوله: وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] معناه واذكر يوم يقول: كن فيكون، ويكون ذكر اليوم لأهميته، وما يقع فيه من الأهوال، والأوجال من أجل الحذر منه، والعمل من أجل الخلاص من العذاب الذي يقع فيه للمفرطين، المضيعين، المكذبين، والله أعلم.
يقول: وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:71] ثم يقول: قَوْلُهُ الْحَقُّ [سورة الأنعام:73]، فجملة قَوْلُهُ الْحَقُّ في محل جر صفة أي أن صفة هذا الرب أن قوله الحق.
ويحتمل أيضاً - كما سبق - أن يكون في محل رفع متعلق بقوله: كُن فَيَكُونُ [سورة الأنعام:73] والمعنى أن الذي يكون إذا قال: كن هو قَوْلُهُ الْحَقُّ [سورة الأنعام:73]، وهذا هو المعنى الثاني الذي ذكره ابن جرير - رحمه الله -، وعلى المعنى الأول يكون المعنى أن وعده من تبديل السماوات والأرض حق لا شك فيه، ثم ابتدأ كلاماً جديداً فقال: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ [سورة الأنعام:73] إلى آخر الآية، والله أعلم.
يعني أن الموعد الذي يقول فيه كن فيكون هو يوم ينفخ في الصور، وعلى هذا يكون الكلام هكذا: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق، ويوم يقول: كن فيكون، وله الملك يوم ينفخ في الصور، ويكون بهذا الاعتبار يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ بدل من وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ أي أن يوم يقول: كن فيكون هو يوم القيامة، وهو اليوم الذي ينفخ فيه في الصور.
وكقوله تعالى أيضاً: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4] ويكون خص يوم القيامة بهذا - مع أن الملك لله في الأولى والآخرة - لعظم ذلك اليوم، وشدته، ولأنه لا يدعي الملك فيه أحد سواه، ولأنه اليوم الذي لا يوم بعده، وما قبله؛ فكأنه ساعة، وإذا كان له الملك في ذلك اليوم العظيم فإن الملك له فيما قبله في الدنيا من باب أولى.
والمراد بالصور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ، فعن رسول الله ﷺ أنه قال: إن إسرافيل قد التقم الصور، وحنى جبهته؛ ينتظر متى يؤمر فينفخ رواه مسلم في صحيحه[1].
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو - ا - قال: قال أعرابي: يا رسول الله! ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه[2]".
- هذا الحديث ليس في صحيح مسلم وإنما أخرجه الترمذي في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الزمر (3243) (ج 5 / ص 372) وأحمد (11053) (ج 3 / ص 7) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1079).
- أخرجه الترمذي في كتاب الزهد - باب ما جاء في شأن الصور (2430) (ج 4 / ص 620) وأحمد (6507) (ج 2 / ص 162) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3568).