الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ۝ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ۝ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ۝ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ۝ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ۝ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة الأنعام:74-79].
المقصود أن إبراهيم  وعظ أباه في عبادة الأصنام، وزجره عنها، ونهاه كما قال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً [سورة الأنعام:74]".

الله - تبارك وتعالى - هنا سمى أبا إبراهيم بآزر، وهكذا يجب أن يقال لا أن نتعدى القرآن، فهو أصدق الكلام.
والعجيب أن كثيراً من المفسرين، ومن المؤرخين يقولون: إن اسم أبي إبراهيم هو تارَخ، وهذا إنما تلقونه من المرويات عن بني إسرائيل؛ مع أن هذه الكتب - كما هو معلوم - قد دخلها من التحريف الشيء الكثير.
وبعضهم يقول: إن قوله: إن آزر هو عمه، ويزعمون أن القرينة في ذلك هو أنه ذكر الأبوة مع الاسم فقال: لأَبِيهِ آزَرَ [سورة الأنعام:74] يقولون: لو كان اسم أبيه آزر لقال: وإذ قال إبراهيم لأبيه، أو قال: وإذا قال إبراهيم لآزر - هكذا زعموا -؛ وهذا غير صحيح، ولا حاجة إليه؛ لأن الله ذكر أبوته، وذكر اسمه.
وبعضهم يقول: إن اسمه تارخ وأن آزر هو لقب له، وهؤلاء كأنهم أرادوا أن يجمعوا بين هذا وهذا، ونحن نقول: إذا ثبت في القرآن شيء فلا يُشتغل بغيره، ولا نحاول أن نوفق بين ما جاء في القرآن، وبين ما جاء في كلام الناس - لا سيما أهل التحريف، والتبديل، والكذب على الله ، وعلى الأنبياء عليهم السلام -.
وزعم بعضهم أن الاسم هو تارخ وأن آزر للسب، والذم، ويقولون: إن معناها معوج، وعلى هذا يكون الكلام - هكذا في زعمهم -: وإذ قال إبراهيم لأبيه معوج يعني قال له: أنت معوج أي: منحرف، ويقولون: إن هذه أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه، وهذا غير صحيح، وليس هو المتبادر من القرآن.
وبعضهم يقول: إن آزر هذا اسم صنم، وأطلق على أبي إبراهيم باعتبار أنه عابد له، وهذا من أعجب الأقوال.
وبعضهم يقول: على تقدير محذوف هكذا: يا عابد آزر، وبعضهم يقول: على سبيل الاستفهام تقديره: أتعبد آزر؟
وهذا كله خلاف ظاهر القرآن، وإنما اسمه آزر، وأما تارخ فلا تثبت، ولا نشتغل بمثل هذا، ولا ينبغي أن نحاول التوفيق بين هذا وبين ما في القرآن، فليبحثوا لتارخ هذه تخريجاً، فإن صحت فليقولوا: هي لقب أو غير ذلك؛ أما آزر فلا نتعرض لها من أجل أن نبقي على ما ذكره هؤلاء، فهذا غير صحيح إطلاقاً، ولولا كثرة من ذكره لم نتعرض له - والله تعالى أعلم -.
"كما قال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً [سورة الأنعام:74] أي: أتتأله لصنم تعبده من دون الله إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ [سورة الأنعام:74] أي: السالكين مسلكك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [سورة الأنعام:74] أي: تائهين لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرة، وجهل، وأمركم في الجهالة ،والضلالة بيّن، واضح لكل ذي عقل سليم.
وقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ۝ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ۝ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ۝ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ۝ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ۝ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ۝ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا [سورة مريم:41-48] فكان إبراهيم يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك، وتبيّن إبراهيم ذلك؛ رجع عن الاستغفار له، وتبرأ منه كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ [سورة التوبة:114].
وثبت في الصحيح أن إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة، فيقول له آزر: يا بني اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: أي ربِّ ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي من أبي الأبعد؟ فيقال: يا إبراهيم انظر ما وراءك، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه؛ فيلقى في النار".

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام: 74] هو اسم أبي إبراهيم، فإعرابه عطف بيان، أو بدل، ومنع من الصرف للعجمة، والعلمية، لا للوزن فإن وزنه فاعل، نحو عابر، وشالح، وقرئ بالرفع على النداء، وقيل: إنه اسم صنم؛ لأنه ثبت أن اسم أبي إبراهيم تارح، فعلى هذا يحتمل أن يكون لقب به لملازمته له، أو أريد عابد آزر، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وذلك بعيد، ولا يبعد أن يكون له اسمان."

قوله: بأن آزر هو اسم أبي إبراهيم  هذا هو ظاهر القرآن، ولا حاجة للعدول عنه، لأقوال مؤرخين مبناها على روايات لا أسانيد لها، مما ينقلونه عن كتب بني إسرائيل، ونحو ذلك، فلا يعدل عن ظاهر القرآن بمثل هذا.

يقول: فإعرابه عطف بيان، أو بدل نحن نعرف الفرق بين عطف البيان، والبدل، هما متقاربان، لكن إذا كان الثاني أوضح من الأول، فهو عطف بيان وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ [الأنعام: 74] من أبوه؟ آزر، يعني كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لآزر؛ فالبدل، وعطف البيان يقوم أحدهما مقام الآخر، لكن عطف البيان، يكون الثاني أوضح من الأول، وعادةً يمثل النحاة لهذا بالمثال المعروف، قال أبو حفص عمر، فعمر أوضح من أبي حفص، فهو عطف بيان، لكن لو قلت: قال عمر أبو حفص، فأبو حفص بدل من عمر، فهو يعرف عطف بيان إذا كان الثاني أوضح، فهذا هو إعرابه باعتبار أنه أبوه.

يقول: ومنع من الصرف للعجمة؛ لأن هذه أسماء أعجمية، والعلمية، يعني اجتمع فيه علتان، فيكون ممنوعًا من الصرف، لا للوزن فإن، وزنه فاعل على نحو عابر، وشالح ويقول: وقرئ بالرفع على النداء بالرفع: آزر، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرُ) يعني: على النداء، آزرُ؛ يعني: يا آزرُ، حذف حرف النداء، وهذه ليست من القراءات السبع، لكن قرأ بها يعقوب وقيل: إنه اسم صنم وهذا غير صحيح، الله يقول: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام: 74] يقول: لأنه ثبت أن اسم أبي إبراهيم تارح وإن ثبت هذا، هذا لا يثبت، فعلى هذا يحتمل أن يكون لَقب لُقب به لملازمته، يعني: لُقب باسم الصنم، هذا غير صحيح، لملازمته، لاحظوا الفاصلة عندكم لملازمته قبل له، هي تكون بعد له، غيروا موضع الفاصلة، في طبعة الضياء. 

أو أريد عابد آزر، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه وهذا خلاف الظاهر أيضًا، والأصل عدم التقدير.

يقول: ولا يبعد أن يكون له اسمان لا حاجة لمثل هذا، وبعضهم يقول: بأن آزر لقب، وتارح اسم، لكن هذا أيضًا لا دليل عليه، وبعضهم يقول: آزر هذه ليست من قبيل التسمية، وإنما هي سبٌ، وعتاب. 

وهذا أيضًا خلاف ظاهر القرآن، يعني: كأنه يعاتبه، يعني معناه عندهم: المعوج آزر وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام: 74] يعني: المعوج، وهذا غير صحيح؛ لأن الكلمة على هذا أعجمية آزر، المعوج، وهذا يقتضي  - والله أعلم - أن يكون ذلك من قبيل التركيب، يعني كأنه يقول له: آزر أنت، أو أنت آزر، أو نحو هذا، وباتفاق العلماء، في مسألة المعرب، وهي الكلمات التي يقال إن أصلها أعجمي، لا يوجد منها شيء مركب في القرآن، وإنما الألفاظ المنكرة، مثل: سندس، واستبرق، ومشكاة، ونحو ذلك، وأما الأسماء الأعلام، فهذه متفق عليها، وأنها تقال كما هي، فلا إشكال في هذا، وإنما خلافهم في المنكر، الأسماء الأعلام اتفقوا على أنها واقعة، موجودة في القرآن أعجمية، وأما التراكيب فاتفقوا على أنها غير موجودة، واختلفوا في الألفاظ المنكرة.