فهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من دخول أولاد البنات في الذرية يمكن أن يدخل في النوع المعروف عند الأصوليين من أنواع دلالة المنطوق بما يعرف بالإشارة، وهي كما قال في المراقي:
فأول إشارة اللفظ لما | لم يكن القصد له قد عُلما |
فالذرية هي ما تناسل من الإنسان، ويدخل فيها كل ما تناسل منه من جهة الذكور، ومن جهة الإناث، وهذا هو الذي دل عليه القرآن بهذا النوع من الدلالة - دلالة الإشارة -، وذلك كقوله - تبارك وتعالى -: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187] وسبق الكلام على هذا المثال في سورة البقرة، وذكرنا أن الآية سيقت لبيان جواز الأكل، والشرب، والجماع؛ في ليالي الصيام بعد أن كان محرماً، لكن يستنبط من الآية بدلالة الإشارة أنه يجوز للإنسان أن يصبح وهو جنب، ولا إشكال في ذلك؛ لأنه إذا جاز له أن يجامع في كل جزءٍ من أجزاء الليل حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187] فمعنى ذلك أنه لن يبقى وقت للاغتسال إلا بعد الفجر، فهذا مثالٌ مفرد في دلالة الإشارة، ومعنى مثال مفرد أي أن هذا الحكم يستخرج من دليلٍ واحد، وقد يستخرج من آيتين، أو أكثر كما سبق في قوله - تبارك وتعالى -: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [سورة الأحقاف:15]، مع قوله: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [سورة لقمان:14] فإذا خصمت العامان من الثلاثين شهراً فإنه يبقى للحمل ستة أشهر، فيُستنبط من الآيتين أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فهذا من دلالة الإشارة.
والخلاصة أن هذه الآية دلت بدلالة الإشارة على أن أولاد البنات من جملة الذرية، ولا عبرة بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا | بنوهن أبناء الرجال الأباعد |