قال - رحمه الله -: "قال تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [سورة الحاقة:13-18].
يقول تعالى مخبرًا عن أهوال يوم القيامة، وأول ذلك: نفخة الفزع، ثم يعقبها نفخة الصعق حين يصعق من في السماوات، ومن في الأرض؛ إلا من شاء الله، ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين، والبعث، والنشور؛ وهي هذه النفخة، وقد أكدها هاهنا بأنها واحدة؛ لأن أمر الله لا يُخالَف، ولا يُمانَع، ولا يحتاج إلى تكرار، ولا تأكيد".
هنا قوله - تبارك وتعالى -: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ كما ترون الحافظ ابن كثير كما مضى في بعض المناسبات أنه يرى أن النفخ في الصور ثلاث مرات، ذكرها هنا: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة البعث، يعني نفخة الصعق هي النفخة الأولى عند الجمهور التي يصعق فيها الخلق يعني يموتون جميعًا - أي الأحياء - إذا نفخ في الصور، والنفخة الثانية عندهم هي التي يقومون فيها أحياء من قبورهم، فهما نفختان عند الجمهور، وبعضهم كابن كثير يرى أنها ثلاث، وبعضهم يرى أنها أربع، وقد مضى الكلام على هذا جميعًا، وكل ذلك إنما فهموه من آيات من القرآن - والآيات تحتمل - على اختلاف بينهم في بعض ذلك، يعني نفخة الفزع متى تكون؟ هل تكون قبل النفخة الأولى كما يقول ابن كثير، أو أنها تكون بعد ذلك فتكون بعد الثانية بعدما يقومون من قبورهم؟ هذا خلاف بين أهل العلم، كذلك الصعق متى يكون؟
هنا يقول: وهي هذه النفخة يعني أن ابن كثير - رحمه الله - يرى أن قوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ أن هذه هي نفخة البعث والنشور، يعني عنده أنها النفخة الثالثة، وعند الجمهور أنها النفخة الثانية التي يقومون بها من قبورهم، فالآيات تحتمل وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ متى يكون هذا العرض؟ ومتى تنزل الملائكة؟ ومتى ينزلون وتشقق السماء بالغمام؟ وينزل ربنا - تبارك وتعالى - لفصل القضاء بين الخلائق؟ هذا يكون بعد النفخة الثانية، العرض لا شك أنه لا يكون إلا بعد النفخة الثانية، فهذه الأمور المذكورة مجتمعة كلها ذُكرت بعد هذه النفخة على أنها واقعة بعدها، ومن جملة ذلك العرض الذي لا شك أنه بعد النفخة الثانية، فدلّ على أنها النفخة الثانية التي اعتبرها ابن كثير النفخة الثالثة، المقصود أنها نفخة القيام من القبور، أو أن هذه هي النفخة الثانية عند ابن كثير والأولى عند غيره التي يموت فيها الخلائق، هذا خلاف بين أهل العلم، هذه الأمور التي تحصل في العالم العلوي والسفلي في القيامة هل تحصل بعد النفخة الأولى؟ تشقق السماء، وتُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [سورة إبراهيم:48] هذا بعد النفخة الثانية فهل هذا التشقق، وانكدار النجوم إلى آخره يحصل بعد الثانية أو بعد الأولى؟ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا [سورة الزلزلة:1-2] متى تكون الزلزلة؟
بعضهم يقول: في النفخة الأولى، وبعضهم يقول: في النفخة الثانية ويدل عليه وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا أي ما فيها، وقلنا: هناك من الأموات مما حوته مما أراد الله أن تخرجه، فهذا يحتمل، فابن كثير نظر إلى هذه المذكورات جميعًا أنها كلها بعد هذه النفخة فاعتبرها النفخة الأخيرة هو يسميها الثالثة، والجمهور أنها الثانية، بصرف النظر عن هذا فهذا احتمال، وبعض السلف ذهب إلى أنها الأولى لاحظ: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، هل هذا يقع بعد الأولى، أو بعد الثانية؟ بعضهم يقول: بعد الأولى وهذا ذهب إليه عطاء، وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -، أن هذا بعد النفخة الأولى.
والقول الآخر الذي ذهب إليه ابن كثير - بصرف النظر عن تسميتها بالثالثة أو الثانية - ذهب إليه جماعة من السلف أيضًا كمقاتل، والكلبي، أنها النفخة الثانية، فإذا نظرت إلى هذه المذكورات تجد أنها مما يقع قطعًا بعد النفخة الثانية مثل العرض، ومنها ما فيه الخلاف يعني العرض بلا خلاف، ومنها ما فيه الخلاف ومنشأ هذا الاختلاف أن هذه الأمور المذكورات من أهل العلم من يرى أنها أصلًا تقع بعد النفخة الأولى، تَغيَّر حالُ هذا العالم، ومنهم من يرى أن ذلك بعد النفخة الثانية، لاحظ هنا: فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وقعت الواقعة يعني القيامة، فهل القيامة تكون بالنفخة الأولى؟ هنا يموت الناس، أو أن المقصود أن القيامة هي أن يقوم الناس من قبورهم يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة المطففين:6] سميت بالقيامة لهذا؛ فهي بعد النفخة الأخيرة، بعد النفخة الثانية، فهذا يوجد له ما يؤيده من أن المقصود النفخة الثانية وهي التي تحصل بها هذه الأمور، والأهوال، والأوجال؛ ولهذا قيل لها: القارعة؛ لأنها تقرع القلوب كما سبق، وهي التي عليها مدار الجزاء، والحساب، والنعيم، والعذاب وما إلى ذلك التي كذب بها الكفار، فهم كذبوا بالبعث، والنشور، وما بعده من الحساب، والجزاء، والجنة، والنار، استبعدوا وقوع ذلك، لن تكون هناك حياة بعد هذه الحياة، فهذه القيامة، وما يذكره الله من دلائلها كل هذا يرجع إلى التي تكون بعد النفخة الأخيرة، يقومون من قبورهم، هذه التي كان فيها الجدال الكثير، وهي التي تنوعت أدلة القرآن على تقريرها، في سورة البقرة فقط خمسة أنواع أو خمسة مواضع من الأدلة، في سورة البقرة وحدها فضلًا عن غيرها.