الجمعة 16 / ذو الحجة / 1446 - 13 / يونيو 2025
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ أي: قامت القيامة، وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ، وقال ابن جريج: هي كقوله: وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا [سورة النبأ:19]، وقال ابن عباس: متخرِّقة، والعرش بحذائها وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا الملك اسم جنس أي الملائكة على أرجاء السماء".

هو هذا، الجنس حينما يأتي منفردًا فإنه يكون بمعنى الجمع مثل: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:30] يعني الأطفال سواء كان مفردًا هكذا من غير إضافة، أو بالإضافة مثل: أَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] أي أصدقائكم، ولا تتخذوا عدوي وعدوكم هنا مضاف "عدوي" يعني أعدائي، وقوله - تبارك وتعالى - هنا: فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ قال ابن عباس: "متخرِّقة"، وابن جريج فسرها بقوله: وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا، وهذان القولان متقاربان، يعني حينما تشققت وفتحت أبوابًا لم تعد على حالها التي كانت عليها من القوة، والإحكام، والوَهاء يدل على الضعف فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ؛ ولهذا فُسرت بالضعيفة المسترخية، وفسرها بعضهم بالمتشققة، والمتشققة واهية، وهكذا ابن جرير - رحمه الله - فسرها بالمتصدعة المتشققة، فهذا كله يرجع إلى معنى الوَهاء الذي هو الضعف، ومن فسرها بأنها ضعيفة أو متشققة فإن هذا يرجع إلى معنى واحد، وإلا فإنه ليس الواهي بمعني المتشقق من حيث مطابقة اللفظ، ولكن ذلك يعرف لزومًا - والله تعالى أعلم -.

"وقال الربيع بن أنس في قوله: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا يقول: "على ما استَدقّ من السماء ينظرون إلى أهل الأرض"".

هذا أحد الأقوال فيه، لكن المشهور وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا يعني على أطرافها، ونواحيها، وجوانبها كما يقول ابن جرير - رحمه الله -.

وبعضهم يقول كالضحاك: "تكون الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله بالنزول، فيحيطون بأهل الأرض"، وبعضهم كسعيد بن جبير أعاد الضمير إلى الأرض مع أن المذكور قبله السماء فهو يقول: "الملك على حافات الدنيا" يعني ينزلون إلى الأرض.

"وقوله تعالى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ أي: يوم القيامة يحمل العرشَ ثمانيةٌ من الملائكة، وقد رواه أبو دواد في كتاب السنة من سننه عن جابر بن عبد الله أن الرسول ﷺ قال: أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله - تعالى - من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام[1] هذا لفظ أبي داود".

"ثمانية" بعضهم يقول: ثمانية من الملائكة، وهذا هو المتبادر، وهؤلاء في خلقهم، وقوتهم؛ لا يقادر ذلك إلا الله - تبارك وتعالى -، وإذا كان النبي ﷺ ذكر صفة هذا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام في لفظ: تَخْفق الطير سرعة طيران الطائر فإذا حُسب فقط هذا الجزء من خلقه فما طول هذا الملك إذاً؟

وبعضهم يقول: ليس المراد ثمانية من الملائكة، وإنما ثمانية صفوف من الملائكة تحمل العرش، وبعضهم يقول: إن الملائكة تسعة أجزاء يعني تسع مجموعات، يحمل العرش يوم القيامة ثمانية يعني ثماني مجموعات من تسع، يعني أكثر الملائكة، لكن هذا القول لا دليل عليه، والمتبادر أنهم ثمانية من الملائكة لا يقدر خلقهم إلا الله - تبارك وتعالى -.

  1. رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في الجهمية والمعتزلة، برقم (4727)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (151)، وفي صحيح الجامع برقم (854).