الأحد 18 / ذو الحجة / 1446 - 15 / يونيو 2025
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ أي: تعرضون على عالِم السر، والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم، بل هو عالم بالظواهر، والسرائر، والضمائر، ولهذا قال تعالى: لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ".

هنا يَوْمَئِذٍ يعني في ذلك اليوم الذي وصفه الله بقوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ۝ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فهذا قرينة على أن المراد النفخة الثانية يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ وكما قلت: إن هذا الموضع محل اتفاق، يعني أن هذا العرض يكون بعد النفخة الثانية، لكن الذين قالوا: النفخة الأولى ماذا يمكن أن يجيبوا عن مثل هذا؟ يقولون: إن الله أجمل هذه الأمور التي تقع، فمنها ما يكون عند النفخة الأولى، ومنها ما يكون عند النفخة الثانية، فذكرها مجملة هنا، لكن ظاهر السياق - والله تعالى أعلم - سرْدُها هكذا، ثم بعد ذلك قال: يَوْمَئِذٍ يعني فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ۝ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ يومئذ تعرضون، فدل على أنها النفخة الثانية، فهذا الذي يحصل من هذا التبديل، وهذا التغيير لأحوال هذا العالم؛ يكون بعد النفخة الثانية (القيامة)، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ يعني لا يخفى منكم حال، ولا عمل، ولا نفس، كل ذلك يكون باديًا ظاهرًا لله - تبارك وتعالى -، يعلم ما تكنه الصدور، وما يخفيه العبد من أعماله، وما يظهره، كل ذلك قد أحصاه، وعلمه، وسيحاسبهم عليه لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الكهف:48]، تُعْرَضُونَ يعرض الجميع على الله - تبارك وتعالى - هذا العرض الذي فيه لا تخفى عليه حال من أحوالهم، وهذا الذي ينبغي أن يعمل الإنسان، ويستعد لمثله، وأن يجتهد في قطع هذه الأنفاس، والاشتغال بما يقربه وينفعه عند العرض، ويُعد لكل حركة من حركاته، أو سكناته، يُعد لذلك جوابًا بين يدي الله - تبارك وتعالى -، فإذا أراد أن يتكلم بكلام، أو يتصرف بلون من التصرفات؛ فينبغي عليه أن يكون قد هيّأ الجواب حينما يسأله ربه - تبارك وتعالى - عن هذا، سواء كان ذلك في مزاولته، وأعماله في الطاعات، والعبادات، أو كان ذلك في أموره الدنيوية مما يتصل بالمعاش، أو كان ذلك ما يتعلق بشهواته، وذنوبه، ومعاصيه، أو كان ذلك فيما يقوله عن ربه - تبارك وتعالى - من الفتيا، والعلم، والكلام بمعاني القرآن، وما أشبه ذلك، كل هذا حينما يتفوه به الإنسان الجواب ينبغي أن يكون حاضرًا في ذهنه فيزن الحرف، ويكون له مخرج عندما يسأل عن هذا، يقول: أنا قلت كذا، ومن ثَمّ فإنه لا يتجرأ على الله، فيقطع بأمور لا يستطيع القطع فيها ليس عنده فيها من الله برهان، أو يقول: الله أحل كذا، أو حرم كذا، وليس عنده فيه من الله برهان، أو كذلك فيما يقدم عليه مما يترخص به من أمور اللهو، وهَوَى فيها، وهو سيُسأل عنها، كذلك في مكاسبه من أين جمع هذا المال، وفيم أنفقه، وعن العمر فيم أبلاه إلى آخره، وهذه الكتابات التي يكتبها هل أراد وجه الله فيها، أو أنه أراد الناس الرياء، والسمعة؟، وهذه المؤلفات التي ألفها، وهذه المقالات التي سطرها، وهذه التغريدات التي كتبها، وما في مضامينها من حق، وباطل، وبهتان وكذب، وسباب، وفحش، وقبح، وأخلاق ذميمة، وإن كان ذلك بأسماء مستعارة لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ، فالتعامل مع مَن هذه صفتُه لا ينفع عنده لا اسم مستعار، ولا ينفع عنده احترازات، ولا تشفير ولا غير ذلك لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ نكرة في سياق النفي فهي للعموم، لا يخفى شيء.

"وروى الإمام أحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال، ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله[1] ورواه ابن ماجه، ورواه الترمذي.

هذا الحديث جاء من حديث أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة - ا -، والذي يرويه عنهما هو الحسن البصري ولم يلق أبا موسى الأشعري، ولم يلق أبا هريرة - ا -، أو لم يسمع منهما، ومن ثَمّ ضعفه بعض أهل العلم؛ لكونه لم يسمع منهما، ضعفوا هذا الحديث مع أن محقق المسند حسنه، ولا أدري لماذا حسنه، والشيخ ناصر الدين الألباني ضعفه.

  1. رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر البعث، برقم (4277)، وأحمد في المسند، برقم (19715)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف لانقطاعه، الحسن البصري لم يسمع من أبي موسى".