السبت 17 / ذو الحجة / 1446 - 14 / يونيو 2025
فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُوا۟ كِتَٰبِيَهْ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ۝ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ۝ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۝ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ۝ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ۝ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [سورة الحاقة:19-24].

يخبر تعالى عن سعادة من يؤتى كتابه يوم القيامة بيمينه، وفرحه بذلك، وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ أي: خذوا اقرءوا كتابيه؛ لأنه يعلم أن الذي فيه خير، وحسنات محضة؛ لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات، قال عبد الرحمن بن زيد: معنى هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ أي: ها اقرءوا كتابيه، و"ؤُمُ" زائدة، كذا قال، والظاهر أنها بمعنى هاكم".

فقوله - تبارك وتعالى -: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: أي: خذوا اقرءوا كتابيه، هاؤم بمعنى خذوا، وبهذا قال النحاة، فهو اسم فعل بمعنى خذوا، وبعضهم قال: هو بمعنى هاؤم أي: تعالوا كما جاء عن ابن زيد، وبعضهم قال: إن معناه هلمَّ، والمقصود أنه اسم فعل أمر أي خذوا، تعالوا، هلم، ونحو ذلك.

"روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: إن الله يوقف عبده يوم القيامة، فيُبدي - أي يظهر - سيئاته في ظهر صحيفته، فيقول: أنت عملت هذا؟ فيقول: نعم، أي رب، فيقول له: إني لم أفضحك به، وإني قد غفرت لك، فيقول عند ذلك: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ۝ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ حين نجا من فضيحته يوم القيامة[1].

والهاء في قوله: "كتابيه"، و"حسابيه"، ونحو ذلك؛ هي للسكت.

"وفي الصحيح من حديث ابن عمر أنه سئل عن النجوى فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يدني الله العبد يوم القيامة فيقرره بذنوبه كلها، حتى إذا رأى أنه قد هلك؛ قال الله - تعالى -: إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يُعطَى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكافر، والمنافق فيقول: الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة هود:18][2]".

هذا يشهد للذي قبله، والذي قبله لم يصرح برفعه إلى النبي ﷺ، وهو لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، لكن ليس في حديث ابن عمر أنه حينها يقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ، لكن الآية واضحة في أنه إذا أخذ كتابه بيمينه قال ذلك، فهذا القدر تشهد له الآية - هذا الجزء - أنه يقوله حينما يعطى الكتاب بيمينه، والمقصود بالكتاب هو كتاب الأعمال، صحيفة الأعمال، اقرءوها فهي تتطاير، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله.

  1. تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3371).
  2. رواه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب قول الله - تعالى -: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، برقم (2441)، وبرقم (4685)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18].