هنا قوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ المعنى هنا يقول: كنت موقنًا في الدنيا، فإن ظن تأتي بمعنى العلم، واليقين، كقوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ يعني يوقنون، وليس ذلك من قبيل الظن الذي هو طرف الرجحان، أو الطرف الآخر الذي هو المرجوح، أو ما بينهما مما يقال له الشك، يعني مما لا يقين معه، فإن الإيمان بالله - تبارك وتعالى - لا يصلح فيه هذا، الإيمان باليوم الآخر لا يصلح فيه هذا، بل لا بدّ من الجزم، واليقين، فالظن يأتي بمعنى اليقين؛ ولهذا يقول الضحاك - رحمه الله -: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين بخلاف الكافر فإنه شك، الكفار يقولون: إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [سورة الجاثية:32]، فهذا بمعنى الشك، أما أهل الإيمان فإن ذلك يكون على سبيل اليقين، وبعض أهل العلم ذهب به إلى معنى آخر إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ يعني ظننت أني أُؤخَذُ بسيئاتي، أي لمّا عُرضت عليه هذه السيئات ظن أنه يؤخذ بها، ولكن الله - تبارك وتعالى - قابل ذلك بالعفو أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ يعني سأحاسب على هذه السيئات، وأُؤخَذُ عليها، ولكن الذي عليه الجمهور وهو الأقرب - والله أعلم - أنه يخبر عن نفسه أنه استعد لهذا اليوم، وآمن، فهو حينما علم أنه سيلاقي هذا الحساب لم يكن يخبر عن مجرد العلم، واليقين بذلك، وإنما أيضًا ما يتبعه من الاستعداد لهذا اليوم، فهو عمل لهذا اليوم يقول: أنا كنت أعلم أني سألاقي هذا الحساب، وهذا يقتضي أنه يعمل لآخرته، ويجدّ، ويجتهد، ويكف نفسه عن مساخط الله - تبارك وتعالى - يعني هو يتقين الحساب، ويعمل لذلك اليوم، قد استعد له.