الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَلَقَدْ مَكَّنَّٰكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَٰيِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [سورة الأعراف:10] يقول تعالى ممتناً على عبيده فيما مكَّن لهم من أنه جعل الأرض قراراً وجعل فيها رواسي وأنهاراً وجعل لهم فيها منازل وبيوتاً، وأباح لهم منافعها، وسخر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش أي مكاسب وأسباباً يكسبون بها ويتجرون فيها ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك، كقوله: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [سورة إبراهيم:34].

في قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ [سورة الأعراف:10] أي جعلناكم متمكنين.
وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ [سورة الأعراف:10] كقوله - تبارك وتعالى - : فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ۝ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ۝ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ۝ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ۝ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ۝ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا [سورة عبس:24-29] إلى آخر ما ذكر الله فهذا من المعايش التي أشارت إليها هذه الآية، وكما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ [سورة السجدة:27] وما شابه ذلك من الآيات التي توضح هذا المعنى، وهو كيف جعل الله لنا في هذه الأرض معايش.
وقد قرأ الجميع "معايش" بلا همز، إلا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنه همزها، والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز؛ لأن معايش جمع معيشة من عاش يعيش عيشاً ومعيشة.
قراءة (معائش) بالهمز هي قراءة سبعية وليست قراءة عبد الرحمن بن هرمز فقط، لكن القراءة التي عليها عامة السبعة بالياء، والقراءة سنةٌ متبعة كما هو معلوم فإذا ثبتت فالقاعدة أنه لا يجوز محاكمتها إلى قاعدةٍ لغوية أو نحوية وإن كانت مائة قاعدة، وهل تؤخذ القواعد أصلاً إلا من القرآن وسنة النبي ﷺ؟ بل أخذ اللغات والقواعد من القرآن والسنة أفضل وأكمل آلاف المرات من أخذها من قول شاعرٍ مجهول لا يدرى من هو ممن يحتجون بقوله على صحة لغةٍ من اللغات.
فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى العين فصارت مَعِيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال، فقيل معايش ووزنه مفاعل؛ لأن الياء أصلية في الكلمة بخلاف مدائن وصحائف وبصائر جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من مدنَ وصحفَ وأبصرَ، فإن الياء فيها زائدة، ولهذا تجمع على فعائل وتهمز لذلك، والله أعلم.