الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنۢ بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَظَلَمُوا۟ بِهَا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [سورة الأعراف:103].
يقول تعالى: ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم أي: الرسل المتقدم ذكرهم كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب - صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر أنبياء الله أجمعين -.
مُّوسَى بِآيَاتِنَا أي: بحججنا ودلائلنا إِلَى فِرْعَوْنَ وهو ملك مصر في زمن موسى،وَمَلَئِهِ أي: قومه، فَظَلَمُواْ بِهَا أي: جحدوا وكفروا بها ظلماً منهم وعناداً، كقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [سورة النمل:14] أي: الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله، أي: انظر كيف فعلنا بهم، أغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه، وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه، وأشفى لقلوب أولياء الله - موسى وقومه - من المؤمنين به.

فيقول الله - تبارك وتعالى - : ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ [سورة الأعراف:103]، فالملأ هم علية القوم بصرف النظر عن السبب الذي من أجله سموا بذلك، كقول بعضهم: لأنهم يملئون صدور المجالس، يعني أنهم في مقدمة القوم، أي أنهم الكُبراء، أو قول من قال: إنهم يتمالئون على الأمر، يعني هم أهل الحل والعقد، فكل هذا حاصل في الملأ، فهم الذين يتصدرون المجالس، وهم الذين يتمالئون.
قوله تعالى: إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : "أي: قومه" فإذا كان الملأ يطلق على علية القوم - كما ذكرنا - فما وجه تخصيص ذلك بالملأ مع أنه أرسل للجميع؟
الجواب: أنه عبر بالملأ؛ لأن غيرهم تبعٌ لهم، ولهذا قال ابن كثير - رحمه الله - : "إلى فرعون وقومه" فلا يأتِ أحد ويستدرك على ابن كثير هذا التفسير ويقول: الملأ ليسوا كل القوم، بل علية القوم.
قال الله تعالى: فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الأعراف:103] قال الحافظ: "أي: جحدوا وكفروا بها ظلماً منهم وعناداً".
ويمكن أن يُختصر فيقال: فَظَلَمُواْ بِهَا أي: كفروا بها.
فإن قيل: لماذا سمي الكفر ظلماً؟ يقال: لأن الكفر أظلم الظلم، كما قال الله تعالى: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13].
وأصل الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فكل من وضع شيئاً في غير موضعه فقد ظلم، ومنه قول المرأة التي تضرب اللبن قبل أن يروب:
وقائلة ظلمتُ لكم سقائي وهل يخفى على العَكِدِ الظَّليمُ؟
العَكِد هو عصب اللسان، وقولها: ظلمت لكم سقائي: يعني أنها ضربته قبل أن يروب، وهذا يضيِّع زبده، فتكون بذلك قد وضعت الضرب في غير موضعه، وهكذا القبر لما كان محفوراً في مكان ليس محلاً للحفر، قيل لتلك الحفرة: المظلومة.
وعلى كل حال فقوله تعالى عن فرعون: فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الأعراف:103] أي: كفروا، كما قال عنهم: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [سورة النمل:14] فكفر فرعون كان من قبيل الجحود.