السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ۝ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [سورة الأعراف:109-110] أي: قال الملأ - وهم الجمهور والسادة من قوم فرعون - موافقين لقول فرعون فيه بعدما رجع إليه روعُه واستقر على سرير مملكته، بعد ذلك قال للملأ حوله: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [سورة الأعراف:109] فوافقوا وقالوا كمقالته، وتشاوروا في أمره، كيف يصنعون في أمره، وكيف تكون حيلتهم في إطفاء نوره وإخماد كلمته وظهور كذبه وافترائه، وتخوفوا أن يستميل الناس بسحره فيما يعتقدون، فيكون ذلك سبباً لظهوره عليهم وإخراجه إياهم من أرضهم، والذي خافوا منه وقعوا فيه كما قال تعالى: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [سورة القصص:6].

أراد الحافظ ابن كثير – رحمه الله - أن يجمع بين الآيات فأضاف  هذا القول إلى الملأ، وفي الموضع الآخر قال: إن هذا من قول فرعون، أعني قوله: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [سورة الشعراء:34] فهو أراد أن يجمع بين هذه الآيات فقال:: لما هدأ فرعون وذهب عنه الفزع حينما رأى الحية تشاوروا فيما بينهم ماذا يقولون؛ من أجل أن تصدر عنهم كلمة موحدة يتناقلها الناس، وذلك أن هذه الإسقاطات تؤثر في الناس، فاتفقوا وائتمروا على إطلاق معين يرِد على ألسنة هؤلاء الكبراء جميعاً فيتبعهم الناس في ذلك وينفرهم من موسى، فاجتمعوا كما اجتمع كبراء قريش لينتقوا بعناية لقباً أو إطلاقاً يطلقونه على النبي ﷺ فيصدر على ألسنتهم ويتناقله الناس وينطبع ذلك فيه لينفّروا الناس منه، فهنا ائتمروا فصدر ذلك الإطلاق من فرعون وصدر من الملأ حيث كلهم قالوا: إنه ساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون؟.
وقولهم: فماذا تأمرون يحتمل أن يكون من كلام الملأ موجهاً إلى الملأ؛ لأنها بصيغة الجمع؛ لأنهم هم أهل الحل والعقد، أي ما هو الشيء الذي تتفقون عليه وترون أن يُفعل تجاه موسى؟ ويحتمل أن يكونوا وجهوا الخطاب إلى فرعون ولكن خاطبوه بصيغة الجمع من باب التعظيم، فما قالوا له: ماذا تأمر وإنما قالوا: ماذا تأمرون، أي ماذا ترون في هذا الأمر؟
ويحتمل أن يكون هذا من كلام فرعون، فالملأ قالوا: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [سورة الأعراف:109] وفرعون قال: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [سورة الأعراف:110] ويكون بهذا الاعتبار من قبيل الموصول لفظاً المفصول معنىً، وذكرنا له أمثلة من قبل، كقوله تعالى في سورة النمل: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [سورة النمل:34] فقوله تعالى: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ يحتمل أن يكون من كلام ملكة سبأ، ويحتمل أن يكون من كلام الله يقرر كلامها، ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى [سورة آل عمران:36] وقوله تعالى في سورة يوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] يحتمل أن يكون من بقية كلامها، ويحتمل أن يكون من كلام يوسف .

مرات الإستماع: 0

"يُرِيدُ أن يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ [الأعراف: 110] أي: يخرجكم منها بالقتالِ، أو بالحيل، وقيل: المراد إخراج بني إسرائيل، وكانوا خُدَّامًا لهم، فتخرب الأرض بخروج الخُدَّام، والعمار منها".

هذا يحتمل، وذكر الطاهر بن عاشور احتمالات أخرى، كأن يكون مثلا ًقاسوا ذلك عن قول موسي - عليه الصلاة، والسلام -: فَأَرْسِلْ مَعِيَ[1] على قاعدة: ما جاز على المثل يجوز على المماثل، يعني أنه ما أظهر إخراج بني إسرائيل إلا ذريعة لإخراج كل من يؤمن به؛ ليقيم بهم ملكًا خارج مصر، فينثلم بذلك من ملك فرعون، ويكون ذلك وهنًا فيه.

أو أن ملأ فرعون يحوي رجالًا من بني إسرائيل، يعني فيه بعض الكبراء أنهم من بني إسرائيل، يعني قارون على سبيل المثال كان من قوم موسى كما قال الله لكنه بغى عليهم، فهذا يحتمل أن يكون الملأ يحوي بعض الإسرائيليين، وأنهم من قُصِد بالخطاب، يعني يريد إخراج قومكم من أرضكم، أي: يخاطب الإسرائيليين الكبراء الذين يحضرون مجلسه، فيقول: يريد إخراج هؤلاء من قومكم الذين استوطنوا هذه الأرض منذ قرون متطاولة، أو باعتبار أنه إذا ظهرت حجته آمن به الناس، فيصبح هو الملك، ويأتي على ملك فرعون، أو أنهم خاطبوا فرعون بصيغة الجمع للتعظيم، فيكون الخطاب لفرعون، يعني يقولون لفرعون: يريد أن يخرجك، لكن على العادة الجارية في خطاب الكبراء بصيغة الجمع للتعظيم.

"قوله تعالى: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 110] من قول الملأ، أو من قول فرعون، وهو من معنى المؤامرة أي: المشاورة، [وفي نسخة: أو المشاورة] أو من الأمر، وهو ضد النهي".

قوله: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 110] من قول الملأ، أو من قول فرعون، والثاني هو الذي اختاره أبو جعفر ابن جرير[2] والزجَّاج[3] والواحدي[4] والبغوي[5] والقرطبي[6] أنه من قول فرعون فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 110].

وعلى كل حال يقول في معنى تأمرون هو من معنى المؤامرة، يعني المشاورة، يعني بماذا تشيرون؟ وحمله ابن عاشور على أنه خطاب صدر من بعضهم لبعض، يتشاورون[7] وهذا الذي اختاره ابن عطية[8] ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -[9]: أن الملأ يتشاورن، فيقول بعضهم لبعض: بماذا تشيرون؟ وبماذا تأمرون؟

يقول: "أو من معنى الأمر، وهو من ضد النهي" وكأن بين المعنين نوع ملازمة، فالشيء الذي يشيرون به كأنهم يأمرون به - والله أعلم -.

وعلى قول ابن جرير السابق، ومن وافقه بأن فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 110] من قول فرعون، لاحظ السياق: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أن هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ۝ يُرِيدُ أن يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 109 - 110] ظاهره أنه من قول الملأ، فهم يخاطبون فرعون، أو أنه يخاطب بعضهم بعضًا على سبيل المشاورة، لكن القرينة التي حملت هؤلاء على القول بأنه من قول فرعون: ما جاء بعده: قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ [الأعراف: 111] قالوا: هذا جواب لفرعون فهو الذي قال لهم: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف: 110] فأجابوه: قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الأعراف: 111] لكن إذا كان ذلك من خطاب الملأ بعضهم لبعض، فتكون التوصية هي ما ذُكر: أَرْجِهْ وَأَخَاهُ [الأعراف: 111] إلى آخره، يعني أنهم خرجوا بهذه النتيجة، والمشورة. 

  1.  التحرير، والتنوير (9/42).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/20).
  3.  معاني القرآن، وإعرابه للزجاج (2/364).
  4.  الوجيز للواحدي (ص: 406).
  5.  تفسير البغوي - إحياء التراث (2/219).
  6. تفسير القرطبي (7/257).
  7.  التحرير، والتنوير (9/42).
  8.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/437).
  9.  تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 299).