أراد الحافظ ابن كثير – رحمه الله - أن يجمع بين الآيات فأضاف هذا القول إلى الملأ، وفي الموضع الآخر قال: إن هذا من قول فرعون، أعني قوله: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [سورة الشعراء:34] فهو أراد أن يجمع بين هذه الآيات فقال:: لما هدأ فرعون وذهب عنه الفزع حينما رأى الحية تشاوروا فيما بينهم ماذا يقولون؛ من أجل أن تصدر عنهم كلمة موحدة يتناقلها الناس، وذلك أن هذه الإسقاطات تؤثر في الناس، فاتفقوا وائتمروا على إطلاق معين يرِد على ألسنة هؤلاء الكبراء جميعاً فيتبعهم الناس في ذلك وينفرهم من موسى، فاجتمعوا كما اجتمع كبراء قريش لينتقوا بعناية لقباً أو إطلاقاً يطلقونه على النبي ﷺ فيصدر على ألسنتهم ويتناقله الناس وينطبع ذلك فيه لينفّروا الناس منه، فهنا ائتمروا فصدر ذلك الإطلاق من فرعون وصدر من الملأ حيث كلهم قالوا: إنه ساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون؟.
وقولهم: فماذا تأمرون يحتمل أن يكون من كلام الملأ موجهاً إلى الملأ؛ لأنها بصيغة الجمع؛ لأنهم هم أهل الحل والعقد، أي ما هو الشيء الذي تتفقون عليه وترون أن يُفعل تجاه موسى؟ ويحتمل أن يكونوا وجهوا الخطاب إلى فرعون ولكن خاطبوه بصيغة الجمع من باب التعظيم، فما قالوا له: ماذا تأمر وإنما قالوا: ماذا تأمرون، أي ماذا ترون في هذا الأمر؟
ويحتمل أن يكون هذا من كلام فرعون، فالملأ قالوا: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [سورة الأعراف:109] وفرعون قال: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [سورة الأعراف:110] ويكون بهذا الاعتبار من قبيل الموصول لفظاً المفصول معنىً، وذكرنا له أمثلة من قبل، كقوله تعالى في سورة النمل: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [سورة النمل:34] فقوله تعالى: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ يحتمل أن يكون من كلام ملكة سبأ، ويحتمل أن يكون من كلام الله يقرر كلامها، ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى [سورة آل عمران:36] وقوله تعالى في سورة يوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52] يحتمل أن يكون من بقية كلامها، ويحتمل أن يكون من كلام يوسف .