"أَلْقِ عَصاكَ [الأعراف: 117] لما ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا على قدر الجبل، وقيل: إنه طال حتى جاوز النيل".
قوله: وَاسْتَرْهَبُوهُمْ [الأعراف: 116] كأن السين، والتاء هنا للطلب، بمعنى أنهم استدعوا خوفهم، وطلبوا خوفهم، ووقوع الخوف منهم.
والرهبة كم سبق في بعض المناسبات: هي خوفٌ، وزيادة، الخوف الذي يكون معه شيءٍ من تعظيم المخوف منه، ونحو ذلك، فهذا يكون من قبيل الرهبة - والله أعلم -.
وأما ما ذُكِر من كون العصى على قدر الجبل، أو جاوزت النيل، فهذا كله من أخبار بني إسرائيل، ولا دليل عليه، لكن لا شك أنها تحولت إلى ثعبان عظيم، كما وصف الله - سبحانه، وتعالى - ويكفي في بيان عِظمها أنها تلقف ما يأفكون، على كثرة هؤلاء السحرة، وكثرت ما جاؤوا به، فكانت تلقف ذلك جميعًا.
"قوله تعالى: تَلْقَفُ [الأعراف: 117] أي: تبتلع".
تَلْقَفُ هذه على القراءة التي نقرأ بها، وهي قراءة حفص يقال: لقف الشيء يعني تناوله بحذق، سواء كان ذلك بالفم، أو باليد، وقراءة الجمهور بالتشديد: تَلْقَّفُ ما يَأْفِكُونَ [الأعراف: 117] وعرفنا أن زيادة المبنى لزيادة المعنى، وهذا يدل على الكثرة، يعني كثرة ما يقع منها من لقف تلك الحبال، والأشياء التي جاؤوا بها، وخيَّلوا للناس أنها تتحرك.
"قوله تعالى: ما يَأْفِكُونَ [الأعراف: 117] أي: ما صوروا من إفكهم، وكذبهم".
وعرفنا أيضًا أن الإفك: هو كذبٌ، وزيادة، فهو قلبٌ للحقيقة، وأن أصل المادة (الأفك) يدل على القلب وَالْمُؤْتَفِكَةَ [النجم: 53] يعني ديار قوم لوط، أنها قُلِبت، والإفك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ [النور: 11] وهو أشد الكذب، وقلبٌ للحقيقة، فأصل المادة يدل على قلب الشيء، وصرفه عن وجهه، يقال: أَفَكَه.
"ورُوي: أن الثعبان أكل ملء الوادي من حبالهم، وعصيهم، ومدّ موسى يده إليه، فصار عصا، كما كان، فعلم السحرة أن ذلك ليس من السحر، وليس في قدرة البشر، فآمنوا بالله، وبموسى .