السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنْ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا ۚ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقول السحرة: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ [سورة الأعراف:125] أي: قد تحققنا أنا إليه راجعون وعذابه أشدّ من عذابك ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم وما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك، فلنصبرنَّ اليوم على عذابك؛ لنخلص من عذاب الله، ولهذا قالوا: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا [سورة البقرة:126] أي: عُمنا بالصبر على دينك والثبات عليه وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [سورة الأعراف:126] أي: متابعين لنبيك موسى .
وقالوا لفرعون: فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ۝ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [سورة طـه:72-75] فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة.
قال ابن عباس - ا - وعبيد بن عمير وقتادة وابن جريج: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء.

مرات الإستماع: 0

"قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ [الأعراف: 125] أي: لا نبالي بالموت لانقلابنا إلى ربنا وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا [الأعراف: 126] أي: ما تعيب منا إلا إيماننا".

يقال: نقم الشيء إذا أنكره إما باللسان، وإما بالفعل، والعقوبة، فأصل المادة يدل على إنكار شيءٍ، وعيبه.

"قوله تعالى: لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [الأعراف: 127] أي: يخربوا ملك فرعون، وقومه، ويخالفوا دينه.

وَيَذَرَكَ [الأعراف: 127] معطوف على لِيُفْسِدُوا أو منصوب بإضمار (أن) بعد الواو".

لِيُفْسِدُوا وَيَذَرَكَ وهذا اختيار الطاهر بن عاشور[1] أو منصوبٌ بإضمار (أن) لأن يفسدوا، فيكون التضمير هكذا: أتذر موسى، وقومه ليفسدوا في الأرض، وأن يذرك، وآلهتك - والله أعلم -.

"قوله تعالى: وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 125] قيل: إن فرعون كان قد جعل للناس أصنامًا يعبدونها، وجعل نفسه الإله الأكبر، فلذلك قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24] فآلهتك على هذا هي تلك الأصنام، وقرأ عليّ بن أبي طالب[2] وابن مسعود[3] وابن عباس [4] وإلاهتك: أي: عبادتك، والتذلل لك".

هذا سؤال على جواب مقدَّر؛ وذلك أن فرعون كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24] وكان يقول: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38] فكيف قال له الملأ: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 125] فإذا كان هو الإله الأعلى، وما علِم لهم من إله سواه، فما هذه الآلهة التي خوَّفوا فرعون من ترك موسى لعبادتها؟

فهذا هو السؤال الذي قد يرد في هذا الموضع، وقد أجاب العلماء على ذلك بأجوبةٍ معروفة، من ذلك ما ذكره الطاهر بن عاشور - رحمه الله -: أن القبط كانوا يعبدون آلهةً متنوعة، من الكواكب، والعناصر، وصوَّروا صورًا لهذه المعبودات. وكان أعظم الأصنام هو الذي ينتسب فرعون إلى بنوته، وخدمته[5] وكان فرعون معدودًا عندهم أنه ابن الآلهة، وأن الإلاهية قد حلَّت فيه، فيعبدونه بهذا الاعتبار، أي باعتبار أنه مظهر لهذه الآلهة، فكان عندهم آلهة، فهذا التفصيل ذكره ابن عاشور، والذي يذكره كثير من أهل العلم أنهم كان عندهم معبودات أخرى يعبدونها من دون الله، كما دلَّت عليه هذه الآية.

وفي قراءة لأُبي: ليفسدوا في الأرض، وقد تركوك أن يعبدوك[6] وهذا يتفق مع القراءة الأخرى، التي أشار إليها المؤلف - رحمه الله - هنا، وهي غير متواترة، قال: "وقرأ عليّ، وابن مسعود، وابن عباس" وكذلك قرأ به بعض التابعين: كالضحَّاك[7]: وَيَذَرَكَ، وإلاهتك، يعني يذرك، وعبادتك، فعلى هذه القراءة لا يرد السؤال السابق؛ لأنه كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24] مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38] فيكون ذلك من قبيل التخويف له من ترك موسى لعبادته.

لكن القراءة المتواترة وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 125] لا تُفسِّرها هذه القراءة غير المتواترة؛ لأن المعنى مختلف تمامًا، فقد كانت لهم آلهة، وهذا صريح، لكن وجه الجمع من بين ذلك، وبين ما سبق يمكن أن يتأتى على ما ذكره الطاهر بن عاشور - رحمه الله - وما ذكره غيره مما هو قريب من هذا المعنى - والله أعلم -.

  1.  التحرير، والتنوير (9/58).
  2.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/441).
  3. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/441).
  4.  المصدر السابق.
  5.  التحرير، والتنوير (9/58).
  6.  معاني القرآن للفراء (1/391).
  7.  تفسير القرطبي (7/262).