"فَاهْبِطْ مِنْهَا أي: من السماء."
فَاهْبِطْ مِنْهَا هذا الذي اختاره الواحدي والقرطبي وبعضهم يقول: فَاهْبِطْ مِنْهَا أي: من الجنة، وهذا الذي اختاره ابن جرير وابن عطية ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن السعدي.
لا شك أن الهبوط يدل على النزول من أعلى، لكن هل كان إبليس في الجنة، أو كان في السماء في الملأ الأعلى، أم كان ملكًا من الملائكة؟ من يقول: بأنه ملَك من الملائكة؛ يقول: كان في الملأ الأعلى، وهذا قول لجمع من أهل العلم كما هو معروف، والأقرب أنه ليس من الملائكة كما تدل عليه آية الكهف كَانَ مِنَ الْجِنِّ [الكهف: 50] والذين يقولون بأنه من الملائكة، يقولون الجن قبيل من الملائكة، وهذا لا حاجة إليه بل كان من الجن كما هو الظاهر المتبادر أن الجن هم الذين خلقوا من نار كما في الحديث: خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم يعني: من الطين.
فالقولان بينهما ملازمة، من جهة أنه من قال بأنه أمر بأن يهبط يعني من الجنة فَاهْبِطْ مِنْهَا لأن الضمير يرجع إلى الجنة فالجنة في السماء وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 21] لكن القول بأنه أمر بأن يهبط من السماء لا يلزم منه أن يكون في الجنة - والله أعلم - لكن هنا الضمير يعود إلى غير مذكور، والضمير إذا كان يعود إلى غير مذكور يعني في اللفظ قبله؛ فإنه يفهم من السياق، يعني ما يعود إليه.
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] هنا هذه أول آية في السورة، فالضمير أنزلناه يعود إلى ماذا؟ غير مذكور في السياق قبله إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فهنا قطعًا المراد القرآن، فهذا يفهم من السياق.
فهنا فَاهْبِطْ مِنْهَا يحتمل أن يكون السماء، ويحتمل أن يكون الجنة؛ باعتبار أن آدم - عليه الصلاة، والسلام - كان في الجنة، لكن هل يعني هذا أن إبليس كان في الجنة؟ الله أعلم.