الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُوا۟ يَٰمُوسَى ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ [سورة الأعراف:134] فدعا موسى ربه فكشف عنهم.

بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] أي: بما استودعك من العلم، وقال بعضهم: بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] يعني: من معرفة الاسم الأعظم الذي إذا سألت ربك به أعطاك، وبعضهم يقول: بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] بما أعطاك الله من النبوة واختصك به من القرب والاصطفاء والتكليم.
فدعا موسى ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القُمَّل، فذكر لي أن موسى أُمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فسأل ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً، لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً.

هذه كلها من العقوبات، وجنود الله لا تحصى، وكل شيء له آفة إلا نعيم الجنة، وليس في الدنيا مصلحة خالصة، وإنما هي مشوبة، والمصالح الخالصة في الجنة.

مرات الإستماع: 0

"وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ [الأعراف: 134] أي: العذاب، وهي الأشياء المتقدمة، وكانوا مهما نزل بهم أمرٌ منها عاهدوا موسى على أن يؤمنوا به إن كشفه عنهم، فإذا كشفه عنهم نقضوا العهد، وتمادوا على كفرهم". 

الرجز يُطلَق على العذاب، والعذاب بالأشياء المذكورة التي سبقت، وهذا اختيار ابن زيد[1] وبه قال جماعة من المفسرين: كالواحدي[2] والطاهر بن عاشور[3] والشنقيطي[4].

وبعضهم يقول: المقصود بالرجز هنا عذاب آخر، وهو الطاعون، وهذا مروي عن ابن عباس - ا -[5] وسعيد ابن جبير[6] وأبو جعفر ابن جرير جوَّز أن يكون ذلك جميعًا[7] من غير تحديد، باعتبار أنه عذاب حل بهم، قد يكون من قبيل الطاعون، وقد يكون الأمور المذكورة قبله، وبهذا قال مجاهد، وقتادة[8].

"قوله تعالى: بِما عَهِدَ عِنْدَكَ [الأعراف: 134] أي: بزمامك إليه، ووسائلك". 

فسره ابن جرير[9] والواحدي[10]: بما أوصاك أن تدعوه به، وهذا بمعنى قول المؤلف: بزمامك إليه، ووسائلك، ما هي الوسائل؟ يعني ما علَّمه أن يدعو به، فيستجاب له.

وقال القرطبي: بما استودعك من العلم، وبما اختصك به، فنبأك،[11] وقال الطاهر بن عاشور: أي بما عرَّفك، وأودع عندك من الأسرار[12] أي: أدعه بما علمك ربك من وسائل إجابة دعائك عند ربك، وهذا يرجع إلى ما سبق من قول ابن جرير.

إذًا بما عهد عندك، يعني من العلم، والدعاء الذي هو مظنة الإجابة، والوسائل التي تتوصل بها إلى رفعِ ذلك عنا.

"قال: والباء تحتمل أن تكون للقسم، وجوابه: لنؤمننَّ، أو تتعلق بـادْعُ لَنَا [الأعراف: 134] أي: توسل إليه بما عهد عندك". 

الباء تحتمل أن تكون للقسم، بما عهد عندك، لكن هذا بعيد، فهل يصح أن يُقسَم بهذا؟ إلا أن يُقَال: إنهم كانوا أصلاً من المشركين، ولا فقه لهم في هذا الباب، فطلبوا ذلك، لكن ليس هذا هو المتبادر، يقول: "أو تتعلق بـادْعُ لَنَا" أي: توسل إليه بما عهد عندك، وهذا هو المتبادر - والله أعلم -.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/72).
  2.  التفسير الوسيط للواحدي (2/402).
  3.  التحرير، والتنوير (9/71).
  4.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/113).
  5.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/71).
  6. المصدر السابق (13/71).
  7.  المصدر السابق (13/72).
  8.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (5/1597).
  9.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (13/72).
  10.  التفسير الوسيط للواحدي (2/402).
  11. تفسير القرطبي (7/271).
  12.  التحرير، والتنوير (9/72).