الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
سَآءَ مَثَلًا ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا۟ يَظْلِمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله: سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا [سورة الأعراف:177]، يقول تعالى: سَاء مَثَلاً مَثَلُ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أي: ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همّة لها إلا في تحصيل أكلة وشهوة، فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب، وبئس المثلُ مثلَه، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه[1].
وقوله: وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ [سورة الأعراف:177] أي: ما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى وطاعة المولى إلى الركون إلى دار البلاء، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [سورة الأعراف:178]  يقول تعالى: من هداه الله فإنه لا مضل له، ومن أضله فقد خاب وخسر، وضل لا محالة، فإنه تعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود : إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله[2]الحديث بتمامه رواه الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم.


وزيادة نستهديه هذه لا تصح[3].

  1. رواه النسائي برقم (3698)، كتاب الهبة، باب ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه، والترمذي برقم (1298)، كتاب البيوع، باب ما جاء في الرجوع في الهبة، صححه الألباني في صحيح الجامع (5426).
  2. رواه مسلم برقم (868)، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، دون لفظة "ونستهديه ونستغفره"، والنسائي برقم (3278)، كتاب النكاح، باب ما يستحب من الكلام عند النكاح.
  3. هذه اللفظة وردت في مسند الإمام الشافعي (67)، برقم (287)، وأخرجها في كتاب الأم (1/179)، وقال الشيخ الألباني: منكر جداً بزيادة "الاستهداء والاستنصار"، والسبب في نكارتها هو تفرد إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو أبو إسحاق المدني متروك من السابعة، انظر: تقريب التهذيب(1/93) وهاك كلام العلماء على الرجل، قال يحيى بن سعيد القطان: سألت مالكا عنه أكان ثقة؟ قال: لا ولا ثقة في دينه، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان قدريا معتزلياً جهمياً كل بلاء فيه، وقال أبو طالب عن أحمد: لا يكتب حديثه، ترك الناس حديثه كان يروي أحاديث منكرة لا أصل لها، وكان يأخذ أحاديث الناس يضعها في كتبه، وقال بشر بن المفضل سألت فقهاء أهل المدينة عنه فكلهم يقولون كذاب، وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد: كذاب، وقال المعطي عن يحيى بن سعيد: كنا نتهمه بالكذب" انظر: تهذيب التهذيب(1/137)، فهي زيادة تفرد بها، وهذا حال الرجل، فيكون تفرده من قبيل المنكر، فهي منكرة جداً.

مرات الإستماع: 0

"ساءَ مَثَلاً [الأعراف: 177] أي: مثل القوم."

ساء مثلاً يعني قبح، ويقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: أي ساء مثلهم أن شُبِّهوا بالكلاب، التي لا همة لها إلا في تحصيل شهوةٍ، أو طعام، أو نحو ذلك، فمن خرج عن حيز العلم، والهدى، وأقبل على شهوة نفسه، واتبع هواه، صار شبيهًا بالكلب، وبئس المثل مثله[1].

"قوله تعالى: وَأَنْفُسَهُمْ [الأعراف: 177] قدّم هذا المفعول للاختصاص، والحصر."

وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ يعني كانوا يظلمون أنفسهم، فلما قدَّمه أفاد هذا المعنى الذي هو الاختصاص، يعني ما ظلموا غيرهم، وإنما ظلموا أنفسهم، فالإنسان عند ما يُعرِض عن الإيمان، والعمل الصالح فهو يظلم نفسه فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 36] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس: 23] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت: 46]. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/512).