الجمعة 15 / محرّم / 1447 - 11 / يوليو 2025
أَوَلَمْ يَنظُرُوا۟ فِى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ وَأَنْ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَىِّ حَدِيثٍۭ بَعْدَهُۥ يُؤْمِنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:185] يقول تعالى: أولم ينظر هؤلاء المكذبون بآياتنا في ملك الله وسلطانه في السماوات والأرض وفيما خلق من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمن لا نظير له ولا شبيه، ومِن فعْل من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلا له، فيؤمنوا به ويصدقوا رسوله، وينيبوا إلى طاعته ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه.

قوله – تبارك وتعالى - : أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ [سورة الأعراف:185]، الواو هذه عاطفة تعطف قوله : وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ، على ما قبلها وهو قوله: مَلَكُوتِ، ويكون المعنى: أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وينظروا في ما خلق الله فيتفكروا ويعتبروا.
قوله: وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [سورة الأعراف:185] هذه الجملة أيضاً معطوفة على ملكوت، يعني يتفكروا في قرب آجالهم، أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، يتفكروا في هذا، وينزجروا عما هم فيه.

وقوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:185] يقول: فبأي تخويف وتحذير وترهيب - بعد تحذير محمد ﷺ وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه - يصدقون، إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد من عند الله ؟!.

قوله – تبارك وتعالى - : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:185]، يحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى ما تقدم من التفكر والنظر في الأمور المذكورة، ويحتمل أن يكون عائداً إلى القرآن، أي فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون؟، ولعل هذا هو المتبادر، ويحتمل أن يكون عائداً إلى النبي ﷺ، ويحتمل أن يكون عائداً إلى الأجل المذكور في قوله: وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:185] باعتبار أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، ولكن هذا فيه بعد - والله تعالى أعلم - والأقرب أن ذلك يرجع إلى القرآن، ولهذا قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "فبأي تخويف وتحذير وترهيب بعد تحذير محمد ﷺ وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه" فعبر ابن كثير بهذه العبارة التي تشتمل على أنه محمد ﷺ والقرآن.

مرات الإستماع: 0

"أَوَلَمْ يَنْظُرُوا [الأعراف: 185] يعني: نظر استدلال ما خَلَقَ اللَّهُ عطف على الملكوت، ويعني بقوله: مِنْ شَيْءٍ [الأعراف: 185] جميع المخلوقات إذ جميعها دليل على وحدانية خالقها وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ "أن" الأولى مخففة من الثقيلة، وهي عطف على الملكوت، و"أن" الثانية مصدرية في موضع رفع بــ "عسى" وأَجَلُهُمْ يعني: موتهم، والمعنى لعلهم يموتون عن قريب، فينبغي لهم أن يسارعوا إلى النظر فيما يخلصهم عند الله قبل حلول الأجل."

قوله: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ و"أن" الأولى مخففة من الثقيلة، وهي عطف على الملكوت، والأصل، وأنه عسى، والمعنى أولم ينظروا في أن الشأن، والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، ولعلهم يموتون عما قريب، هذا ما ذهب إليه صاحب الكشاف[1] وناقشه في هذا المعنى أبو حيان، ويرى أبو حيان - رحمه الله - أن العطف على قوله: وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وليس على الملكوت[2] يعني: على ما ذكره المؤلف من أنه عطف على الملكوت يعني ينظر في الملكوت، وفي أيضًا اقتراب الأجل هذا حاصله، وعلى كلام أبي حيان أن النظر يكون فيما خلق الله من شيء تفكر، وكذلك أيضًا اقتراب الأجل.

"قوله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ [الأعراف: 185] الضمير للقرآن."

كما قال الله - تبارك، وتعالى -: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجاثية: 6] وكون الضمير هنا للقرآن هذا ظاهر، وهو اختيار أبي جعفر ابن جرير - رحمه الله -[3] والحافظ ابن كثير[4] ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -[5] كذلك الشيخ عبد الرحمن السعدي[6] - رحم الله الجميع -.

وبعضهم يقول: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أن الضمير يرجع إلى النبي ﷺ. 

وبعضهم يقول: على الأجل، وبعضهم يقول: على ما ذكر قبل من التفكر، لكن كون الضمير يعود إلى القرآن هذا هو الأقرب - والله أعلم -.

وعود الضمير إلى غير مذكور كونه يفهم من السياق هذا أمر معلوم، كقوله - تبارك، وتعالى -: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] الضمير يرجع إلى القرآن، ولم يذكر قبل ذلك هذا كثير، لكن هؤلاء الذين قالوا بغير ذلك يعني كالذين قالوا مثلاً: إنه النبي ﷺ؛ لكونه قد ذكر قبله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ وهكذا من قال: بأن ذلك يعود إلى التفكر؛ لأنه ذكره أولاً: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا أَوَلَمْ يَنْظُرُوا يعني المتفكرين النظر بمعنى التفكر. 

  1. تفسير الزمخشري (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل) (2/182).
  2. البحر المحيط في التفسير (5/235).
  3. تفسير الطبري (23/614).
  4. تفسير ابن كثير (8/301).
  5. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/404).
  6. تفسير السعدي (ص: 906).