الخميس 14 / محرّم / 1447 - 10 / يوليو 2025
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا۟ ۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [سورة الأعراف:184] يقول تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ هؤلاء المكذبون بآياتنا مَا بِصَاحِبِهِم: يعني محمداً ﷺ، مِّن جِنَّةٍ أي: ليس به جنون بل هو رسول الله حقاً دعا إلى حق، إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ: أي: ظاهر لمن كان له لب وقلب يعقل به ويعي به، كما قال تعالى: وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ [سورة التكوير:22]، وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سورة سبأ:46]، يقول: إنما أطلب منكم أن تقوموا قياماً خالصاً لله ليس فيه تعصب ولا عناد، مَثْنَى وَفُرَادَى أي: مجتمعين ومتفرقين، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله أبه جنون أم لا؟، فإنكم إذا فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنه رسول الله ﷺ حقاً وصدقاً.
وقال قتادة بن دعامة: ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان على الصفا فدعا قريشاً فجعل يفخذهم فخذاً فخذاً، يا بني فلان يا بني فلان، فحذرهم بأس الله ووقائع الله، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت إلى الصباح أو حتى أصبح، فأنزل الله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [سورة الأعراف:184].


وهذا مرسل عن قتادة، وإن كان وقوف النبي على الصفا ثابتاً بأحاديث مسندة.

مرات الإستماع: 0

"أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ [الأعراف: 184] يعني: بصاحبهم النبي ﷺ فنفى عنه ما نسب له المشركون من الجنون.

ويحتمل أن يكون قوله: مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ معمولا لقوله، أو لم يتفكروا، فيوصل به، والمعنى: أو لم يتفكروا، فيعلموا أن ما بصاحبكم من جنة.

ويحتمل أن يكون الكلام قد تم في قوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا [الأعراف: 185] ثم ابتدأ إخبارا مستأنفًا، لقوله: مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ والأوّل أحسن."

قوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ هذا كقوله - تبارك، وتعالى -: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ: 46] وكقوله - تبارك، وتعالى -: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ [الطور: 29] ونظير ذلك.

والنبي ﷺ لا شك أنه أكمل الناس عقلاً، وأسلمهم من هذه الآفات. 

وقوله هنا: ويحتمل أن يكون الكلام قد تم في قوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ثم ابتدأ إخبارا مستأنفًا بقوله: مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ وعلى هذا تكون "ما" نافية يقول: والأول أحسن، وهو كذلك.