يقول تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ، ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:44-45]، ولهذا قال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ أي: وسأملي لهم، أي أطوّل لهم ما هم فيه، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي: قوي شديد.
فقوله - تبارك وتعالى - : وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:182] الاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، حتى يوقعه في مغبّة فعله، فالله - تبارك وتعالى - يملي للكافرين، قال : وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة آل عمران:178] فيعطيهم ويغدق عليهم من الأموال والأرزاق والخيرات في الدنيا حتى تستحكم الغفلة على قلوبهم، ثم يأخذهم فيهلكهم.
قوله: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:183]، تعليل لما سبق، فمن الكيد أن يملي الله لهؤلاء الكفار ويستدرجهم، وهذا الموضع في القرآن من المواضع التي ذكر فيها الكيد في غير مقابلة، مما يدل على أن هذه الصفة لا يشترط فيها أن تكون من قبيل المقابلة، أو من قبيل المشاكلة، وهو نوع من المجاز، لكن هذه الصفة لا تطلق على الله ولا تقال لله بإطلاق وإنما بقيد، فيقال: الله يكيد للكافرين وللمجرمين وللظالمين، فهي صفة كمال بهذا الاعتبار.