الخميس 14 / محرّم / 1447 - 10 / يوليو 2025
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:182-183]
يقول تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ، ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ۝ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:44-45]، ولهذا قال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ أي: وسأملي لهم، أي أطوّل لهم ما هم فيه، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي: قوي شديد.

فقوله - تبارك وتعالى - : وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:182] الاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة، حتى يوقعه في مغبّة فعله، فالله - تبارك وتعالى - يملي للكافرين، قال : وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة آل عمران:178] فيعطيهم ويغدق عليهم من الأموال والأرزاق والخيرات في الدنيا حتى تستحكم الغفلة على قلوبهم، ثم يأخذهم فيهلكهم.
قوله: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:183]، تعليل لما سبق، فمن الكيد أن يملي الله لهؤلاء الكفار ويستدرجهم، وهذا الموضع في القرآن من المواضع التي ذكر فيها الكيد في غير مقابلة، مما يدل على أن هذه الصفة لا يشترط فيها أن تكون من قبيل المقابلة، أو من قبيل المشاكلة، وهو نوع من المجاز، لكن هذه الصفة لا تطلق على الله ولا تقال لله بإطلاق وإنما بقيد، فيقال: الله يكيد للكافرين وللمجرمين وللظالمين، فهي صفة كمال بهذا الاعتبار.
 

مرات الإستماع: 0

"سَنَسْتَدْرِجُهُمْ [الأعراف: 182] الاستدراج استفعال من الدرجة، أي: نسوقهم إلى الهلاك شيئًا بعد شيء، وهم لا يشعرون، والإملاء هو الإمهال مع إرادة العقوبة."

قوله - تبارك، وتعالى -: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يقول: الاستدراج استفعال من الدرجة أي: نسوقهم إلى الهلاك شيئا بعد شيء، وهم لا يشعرون، وذكر ابن جرير - رحمه الله -[1] أن أصل الاستدراج هو اغترار المستدرج باللطف من حيث يرى هذا المستدرَج أن المستدرِج إليه محسن حتى يورطه مكروها حتى يوقعه في مكروه هذا الاستدراج، يدرجه درجة بعد درجة حتى يوقعه في المكروه، وهذا كقوله - تبارك، وتعالى -: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً [الأنعام: 44].

وكذلك قول الله - تبارك، وتعالى -: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ۝ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 55 - 56] يقول: والإملاء هو الإمهال مع إرادة العقوبة كما في الحديث: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102][2].

  1. تفسير الطبري (10/601).
  2. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] برقم (4686) ومسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2583).