أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل، ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه، كما قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [سورة الجن:26].
قال الضحاك عن ابن عباس - ا - : وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [سورة الأعراف:188] أي: من المال، وفي رواية: لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه، فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه.
في معنى الخير المذكور في قوله – تبارك وتعالى - : وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [سورة الأعراف:188]، قولان:
الأول: الخير هو المال وهذه الآية كقوله – تبارك وتعالى- : وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [سورة العاديات:8] أي لحب المال، وكقوله: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [سورة البقرة:180] يعني: إن ترك مالاً، وكقوله: قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ [سورة البقرة:215]، أي: من مال.
الثاني: لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ أي: من العمل الصالح الذي يقربني إلى الله - تبارك وتعالى - والأقرب - والله تعالى أعلم - هو القول الأول، لأنه الأكثر وروداً في القرآن، والنبي ﷺ كان مجتهداً في طاعة الله وهذا لا يحتاج أن يعلم الغيب.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [سورة الأعراف:188] قال: لاجتنبت ما يكون من الشر واتقيته، ثم أخبر أنه إنما هو نذير وبشير، أي: نذير من العذاب، وبشير للمؤمنين بالجنات كما قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا [سورة مريم:97].
وردت آيات تدل على أن الرسل – عليهم الصلاة والسلام - لا يعلمون الغيب، فهذا نوح يقول: إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي [سورة هود:45]، فقال الله له: فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [سورة هود:46]، وكذلك إبراهيم ﷺ ذبح عجله وأنضجه، وأتعب أهله في صنع الطعام، ثم بعد ذلك لم يعلم أن هؤلاء من الملائكة وأنهم لا يأكلون، ولوط قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ [سورة هود:180-181]، فلم يكن يعرف أن الضيوف الذين أتوه ملائكة، إلى غير هذا من الأمثلة الكثيرة التي تدل على أن الرسل – عليهم الصلاة السلام - وهم أشرف الخلق لا يعلمون الغيب، فالذين يضللون الناس ويقولون: إن النبي ﷺ يعلم الغيب، أو أن الأولياء يعلمون الغيب، ماذا سيقولون في مثل هذه الآيات؟ الله المستعان.