يذكر تعالى أنه أباح لآدم ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة - وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة - فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في المكر والوسوسة والخديعة.
يقول تعالى: فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأعراف:19] في كتب المبهمات وفي كتب التفسير تجد أقوالاً كثيرة في هذه الشجرة ما هي، وهذا كله لا دليل عليه حيث لم يرد تحديدها في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله ﷺ، ولو كان في هذا نفع للناس لذكره الله - تبارك وتعالى - ولكن لا خير لهم فيه، فالتنقيب عن مثل هذا والاشتغال به هو اشتغال بما لا يعني.
قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [سورة البقرة:35] هذا نهي صريح وواضح، وهو يُبعد قول من قال: إن آدم ﷺ قد تأول في أكل الشجرة بأن حمل الأمر على الندب أو النهي على الكراهة، فهذا في غاية التكلف؛ لأن الله قال: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [سورة البقرة:35].
يقول الله : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [سورة الأعراف:20] الوسوسة في الأصل هي الصوت الخفي، وتقال أيضاً لحديث النفس، والعرب يطلقون ذلك على أشياء أخرى مثل صوت الأساور والحلي إذا تحركت في يد لابسها، وعلى كل حال فإن ما يلقيه الشيطان ويزينه للإنسان من معصية الله - تبارك وتعالى - أو ما يثبطه ويشغله به عن الطاعة أو ما يشوش عليه فكره، كل ذلك من الوسوسة.
في قوله: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا [سورة الأعراف:20] يمكن أن تكون هذه اللام للتعليل، يعني لماذا وسوس لهما الشيطان؟ من أجل أن يبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما، ويمكن أن تكون للعاقبة، أي وسوس لهما الشيطان من أجل الإزاغة والإضلال وكان من عاقبة ذلك في النهاية أن آل الأمر إلى أن بدت لهما سوءاتهما من جراء هذه المعصية، لكن القول بأنها للتعليل ربما يكون هو المتبادر، وهذا ليس وحده الذي من أجله وسوس الشيطان لهما، وإنما وسوس لهما من أجل إخراجهما من الجنة، وإضلال آدم وحواء - عليهما السلام - .
وقوله: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ [سورة الأعراف:20] يعني ما غطي وستر أياً كان هذا الستر سواء كان لباساً أو نوراً يستر العورات، والمقصود أنه انكشف ذلك الستر بعد ذلك بسبب هذه المعصية، وهذا يدل على أن التعري من عمل الشيطان ومن تزيين الشيطان، فآدم ﷺ وحواء كانا كاسيين في الجنة، والذي عراهما هو إبليس، ولهذا قال الله : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا [سورة الأعراف:27] وما نشاهده من تعري النساء وإبداء الزينة والعورات في مناسبات شتى في الأفراح أو ما يفعله من لا خلاق له على الشواطئ والمسابح وما أشبه هذا كل ذلك من عمل الشيطان وهو لا شك أنه انسلاخ من الكمال؛ لأن الكمال هو في أخذ الزينة وستر العورة، ولما حصل النقص لآدم ﷺ حصل له مثل هذا، حيث كان في أكمل حال في الجنة، فهؤلاء لا شك أن فيهم من النقص بقدر ما وقع لهم من هذا التعري، وهذا خلافاً لما يزعمون ويظنون ويتوهمون من أن هذا نوع من المدنية والتحضر، وهكذا يفهم كثير من النساء؛ حيث تستحي الواحدة منهن أن تلبس عباءة ضافية؛ لأن غيرها يعيرونها في الكلية وفي المدرسة ويثبطونها عن ذلك بقولهم: إنها قروية وقديمة بل حتى البنت الصغيرة في الابتدائي تبكي وترفض أن تذهب إلى المدرسة بالعباءة؛ لأن البنات يعيبون عليها ذلك ويقولون لها: إن البنت المتمدنة المتحضرة هي التي تلبس لبساً ملفتاً، وهذا من تزيين الشيطان، والله المستعان.
قوله تعالى: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [سورة الأعراف:20] قال: "أي لئلا تكونا ملكين" وهذا على قول الكوفيين من النحاة، وهذا الإيضاح أو هذا التفسير أسهل وأقرب، كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - ، وأما ابن جرير - رحمه الله - فيقول: ما نهاكما ربكما عن هذا الشجرة إلا لئلا تكونا ملكين، أي فأسقطت "لا"؛ لأنها معلومة، وقد مرَّ في بعض الآيات مثل هذا كما في قوله - تبارك وتعالى - : يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ [سورة النساء:176] يعني لئلا تضلوا، والله أعلم.
وقوله تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ [سورة الأعراف:20] هذا أحد المواضع التي يحتج بها من يقول: إن الملائكة أفضل من البشر، ومن ذلك قوله - تبارك وتعالى - : وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [سورة الأنعام:50] فيقولون هذا يدل على أن الملائكة أفضل، لكن الصواب أن هذه الآيات لا تدل على هذا؛ لأن الملك ليس له شهوات وبناء على ذلك فهو ليس ممتحَناً ومبتلىً كما هو الحاصل للثقلين، وعلى كل حال هذه المسألة لا طائل تحتها، والبحث فيها لا فائدة منه إطلاقاً والاشتغال بها اشتغال بما لا يعني؛ لأن الإنسان لن يستفيد شيئاً إذا عرف أن الملائكة أفضل أو أن صالحي البشر أفضل، لذا ينبغي أن يشتغل بما هو بصدده من العمل ويترك الفضول والبحث عما لا يغنيه شيئاً.