الأربعاء 23 / ذو القعدة / 1446 - 21 / مايو 2025
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَٰلِدِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ۝ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [سورة الأعراف:19-21].
يذكر تعالى أنه أباح لآدم ولزوجته حواء الجنة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلا شجرة واحدة - وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة - فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في المكر والوسوسة والخديعة.

يقول تعالى: فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأعراف:19] في كتب المبهمات وفي كتب التفسير تجد أقوالاً كثيرة في هذه الشجرة ما هي، وهذا كله لا دليل عليه حيث لم يرد تحديدها في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله ﷺ، ولو كان في هذا نفع للناس لذكره الله - تبارك وتعالى - ولكن لا خير لهم فيه، فالتنقيب عن مثل هذا والاشتغال به هو اشتغال بما لا يعني.
قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [سورة البقرة:35] هذا نهي صريح وواضح، وهو يُبعد قول من قال: إن آدم ﷺ قد تأول في أكل الشجرة بأن حمل الأمر على الندب أو النهي على الكراهة، فهذا في غاية التكلف؛ لأن الله قال: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [سورة البقرة:35].
يقول الله : فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ [سورة الأعراف:20] الوسوسة في الأصل هي الصوت الخفي، وتقال أيضاً لحديث النفس، والعرب يطلقون ذلك على أشياء أخرى مثل صوت الأساور والحلي إذا تحركت في يد لابسها، وعلى كل حال فإن ما يلقيه الشيطان ويزينه للإنسان من معصية الله - تبارك وتعالى - أو ما يثبطه ويشغله به عن الطاعة أو ما يشوش عليه فكره، كل ذلك من الوسوسة.
فعند ذلك حسدهم الشيطان وسعى في المكر والوسوسة والخديعة ليسلبهما ما هما فيه من النعمة واللباس الحسن وقال كذباً وافتراء: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ [سورة الأعراف:20] أي: لئلا تكونا ملكين أو خالديْن هاهنا، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما.

في قوله: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا [سورة الأعراف:20] يمكن أن تكون هذه اللام للتعليل، يعني لماذا وسوس لهما الشيطان؟ من أجل أن يبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما، ويمكن أن تكون للعاقبة، أي وسوس لهما الشيطان من أجل الإزاغة والإضلال وكان من عاقبة ذلك في النهاية أن آل الأمر إلى أن بدت لهما سوءاتهما من جراء هذه المعصية، لكن القول بأنها للتعليل ربما يكون هو المتبادر، وهذا ليس وحده الذي من أجله وسوس الشيطان لهما، وإنما وسوس لهما من أجل إخراجهما من الجنة، وإضلال آدم وحواء - عليهما السلام - .
وقوله: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ [سورة الأعراف:20] يعني ما غطي وستر أياً كان هذا الستر سواء كان لباساً أو نوراً يستر العورات، والمقصود أنه انكشف ذلك الستر بعد ذلك بسبب هذه المعصية، وهذا يدل على أن التعري من عمل الشيطان ومن تزيين الشيطان، فآدم ﷺ وحواء كانا كاسيين في الجنة، والذي عراهما هو إبليس، ولهذا قال الله : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا [سورة الأعراف:27] وما نشاهده من تعري النساء وإبداء الزينة والعورات في مناسبات شتى في الأفراح أو ما يفعله من لا خلاق له على الشواطئ والمسابح وما أشبه هذا كل ذلك من عمل الشيطان وهو لا شك أنه انسلاخ من الكمال؛ لأن الكمال هو في أخذ الزينة وستر العورة، ولما حصل النقص لآدم ﷺ حصل له مثل هذا، حيث كان في أكمل حال في الجنة، فهؤلاء لا شك أن فيهم من النقص بقدر ما وقع لهم من هذا التعري، وهذا خلافاً لما يزعمون ويظنون ويتوهمون من أن هذا نوع من المدنية والتحضر، وهكذا يفهم كثير من النساء؛ حيث تستحي الواحدة منهن أن تلبس عباءة ضافية؛ لأن غيرها يعيرونها في الكلية وفي المدرسة ويثبطونها عن ذلك بقولهم: إنها قروية وقديمة بل حتى البنت الصغيرة في الابتدائي تبكي وترفض أن تذهب إلى المدرسة بالعباءة؛ لأن البنات يعيبون عليها ذلك ويقولون لها: إن البنت المتمدنة المتحضرة هي التي تلبس لبساً ملفتاً، وهذا من تزيين الشيطان، والله المستعان.
قوله تعالى: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [سورة الأعراف:20] قال: "أي لئلا تكونا ملكين" وهذا على قول الكوفيين من النحاة، وهذا الإيضاح أو هذا التفسير أسهل وأقرب، كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - ، وأما ابن جرير - رحمه الله - فيقول: ما نهاكما ربكما عن هذا الشجرة إلا لئلا تكونا ملكين، أي فأسقطت "لا"؛ لأنها معلومة، وقد مرَّ في بعض الآيات مثل هذا كما في قوله - تبارك وتعالى - : يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ [سورة النساء:176] يعني لئلا تضلوا، والله أعلم.
وقوله تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ [سورة الأعراف:20] هذا أحد المواضع التي يحتج بها من يقول: إن الملائكة أفضل من البشر، ومن ذلك قوله - تبارك وتعالى - : وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [سورة الأنعام:50] فيقولون هذا يدل على أن الملائكة أفضل، لكن الصواب أن هذه الآيات لا تدل على هذا؛ لأن الملك ليس له شهوات وبناء على ذلك فهو ليس ممتحَناً ومبتلىً كما هو الحاصل للثقلين، وعلى كل حال هذه المسألة لا طائل تحتها، والبحث فيها لا فائدة منه إطلاقاً والاشتغال بها اشتغال بما لا يعني؛ لأن الإنسان لن يستفيد شيئاً إذا عرف أن الملائكة أفضل أو أن صالحي البشر أفضل، لذا ينبغي أن يشتغل بما هو بصدده من العمل ويترك الفضول والبحث عما لا يغنيه شيئاً.
كقوله: قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى [سورة طـه:120] كقوله: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ [سورة النساء:176] أي: لئلا تضلوا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ [سورة النحل:15] أي: لئلا تميد بكم.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: فَوَسْوَسَ إذا تكلم كلامًا خفيًا يكرره، فمعنى فوسوس لهما: ألقى لهما هذا الكلام."

هذه الألفاظ التي يتكرر فيها الحروف مثل: الوسوسة، صلصلة، زلزلة، جلجلة، ونحو ذلك تكرر الحروف يدل على تكرر في المعنى، أو الحدث، أو الفعل، أو ما تضمنه اللفظ، يدل على تكرر فيه، دائمًا إذا رأيت لفظة فيها تكرر في الحروف فهي تدل على التكرار؛ يعني مثلاً: الوسوسة، تقال للخطرة السيئة الرديئة التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، وتقال لحديث النفس، وإلقاء الشيطان ما لا ينفع من الخواطر، والوساوس.

والوسوسة تقال لصوت الحلي لما يضطرب، فيخرج من صوت متكرر، هذا يقال له، وسوس بهذا الاعتبار، المعنى الذي ذكرته في أصل اللغة، يدل على تكرر في الصوت، وسوس، وأصوات الحلي إذا اضطربت فيها تكرر، فهذه يقال لها، وسوسة، وسوسة الحلي، أو صوت الحلي، يقال لها وسوسة، وكذلك الهمس الخفي يقال له وسوسة، أو خصوص ما يقصد به الإضلال منه من الصوت الخفي، فأصلها تدل على صوت خفي، أو رفيع.

على كل حال، المقصود بذلك ما يلقيه الشيطان في قلب العبد من الخواطر السيئة، وتزيين المنكر، والكفر بالله  والضلال، ويُلبس عليه في دينه، أو يوقع في قلبه المخاوف، ونحو هذا، يوهمه بالأمراض، يوهمه بالمكروه، يترقب الشر، يترقب المكروه كل هذا من إلقاء الشيطان.

فإذا أصغى إليه العبد شغله بهذه الأمور، إذا يئس من إضلاله يعني يدعوه إلى الكفر، فإن لم يستطع فالبدع، فإن لم يستطع فالكبائر، فإن لم يستطع فالصغائر، فإن لم يستطع أشغله؛ يُلبس عليه طهارته، يلبس عليه صلاته، يلبس عليه في أمر دينه، إذا قرأ القرآن ثارت الخواطر السيئة في قلبه، إذا تفكر في عظمة الله تأتيه الخواطر السيئة، هذا يقع للمؤمن، ولا يضره.فإن عجز عنه كما قال ابن القيم: أجلب عليه بخيله، ورجله شياطين الإنس، والجن، يشنعون عليه، ويذمونه، ويلمزونه، ويعيبونه، ويتنقصونه، ونحو ذلك يسلط عليه أعوانه، وجنده بالأذى. 

"قوله تعالى: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا أي: ليظهر ما ستر من عوراتهما."

مِنْ سَوْآتِهِمَا يعني: العورات، أو كناية عن الفرج، وبين المعنين الملازمة، فلما بدت هذه العورات صارا يخصفان عليهما من، ورق الجنة لسترها، فما كانت عوراتهما بادية في الجنة، ولذلك فإن الستر كما يقول الطاهر بن عاشور يعني هذا الصنيع من آدم، وحواء يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف: 22] يقول: هذا أول نموذج حضاري في بداية الخليقة[1] وهو ستر العورات، بخصف ورق الشجر.

فالستر لا شك أنه مظهر حضاري، بخلاف التكشف، وإظهار العورات، وإبدائها، ونحو ذلك فهذا عمل جاهلي وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] نسبة إلى الجهل، وللأسف كثير من النساء تظن أنها إذا تكشفت، وأظهرت، وحملت معها كتاب رواية تقرأه في السيارة، في المقعد الخلفي أنها بهذا مثقفة، وحضارية، وأنها امرأة عصرية، وما عرفت المسكينة أن ذلك جهل يضعها من مراتب عليا إلى ما دونها بحسب ما عندها من التضييع في هذا الباب.

"ليظهر ما ستر من عوراتهما" سميت العورة بهذا؛ لأنه يسوء صاحبها انكشافها، وكل ما سميت سوءة، وكل ما يحترز له، ويحتاط له يقال له عورة، ولهذا قال النبي ﷺ: المرأة عورة[2] قاله النبي ليس على سبيل النقص، والعيب، وإنما كل شيء يحتاط له، ويصان، ويحفظ فهو عورة بهذا الاعتبار، المرأة تصان، وتحفظ، ولذلك فإن المنافقين قالوا: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب: 13] لا يقصدون الذم، والعيب، بل يقصدون بأنها مكشوفة عرضة للسرَّاق، ونحو ذلك ليس هناك من يحرسها.

"واللام في قوله ليبدي للتعليل إن كان في انكشافهما غرض لإبليس، أو للصيرورة إن، وقع ذلك بغير قصد منه إليه."

ذكر هذين الاعتبارين، يعني اللام هنا، هل الكشف هذا العورات مقصود لإبليس لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا هل هو قصد هذا بما فعل من الوسوسة إلى آخره، أو قصد إخراج آدم من الجنة، وإغوائه، ولم يقصد كشف العورة؟

فإذا قيل: بأن ذلك كان مقصودًا فاللام للتعليل، وإذا قيل لم يكن مقصوده ذلك، وإنما كان مقصوده الإغواء، والإخراج من الجنة كما هو ظاهر؛ فإن ذلك يكون للصيرورة، والعاقبة، يعني لام العاقبة.

مثل: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8] هم ما التقطوه من أجل أن يكون عدوا، وحزنا؛ ليكون الولد ينفعهم، لكن لتكون العاقبة كذلك - والله أعلم -.

"قوله تعالى: الشَّجَرَةِ ذكرت في [البقرة: 35]."

وهذه الشجرة لا حاجة للاشتغال بتعينها ما نوع هذه الشجرة؛ لأن الله أبهمها، ولو كان في ذلك مصلحة لبينها، وما يذكر في هذا فهو من قبيل الإسرائيليات، ولا ينبغي الاشتغال به، لكن العلماء يتكلمون هل هي شجرة محددة معينة؟ لا شك أنها شجرة معينة - والله أعلم - هل هي شجرة بعينها، بخصوص هذه الشجرة الفلانية، أو جنس شجر معين في الجنة، شجر كذا قد يكون يوجد أكثر من شجرة منه، فبعضهم يتكلم في هذا المعنى، والعلم عند الله

"قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أي: كراهة أن تكونا ملكين."

وابن كثير - رحمه الله - يقول: إلا أن تكونا ملكين لئلا تكونا ملكين، أو خالدين ها هنا[3] على كل حال هذا على قول الكوفيين.

وذكر ابن جرير - رحمه الله - أن أصله: لئلا تكونا ملكين[4] يعني: منعكم ما منعكم إلا لئلا تكونا ملكين، وأن إسقاط لا نظرًا لدلالة ما ظهر عليها كما في يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: 176] أي أن لا تضلوا، كراهة أن تكونا ملكين إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ لئلا تكونا ملكين، أو خالدين.

"واستدل به من قال: إن الملائكة أفضل من الأنبياء، وقرئ ملكين بكسر اللام."

على كل حال، هذه المسألة بعضهم يقول هذا، وبعضهم يقول: بأن الأنبياء، وصالحي البشر أفضل من الملائكة، ويستدلون على هذا أيضًا بأدلة، لكن لا حاجة لهذه المسألة، هذه المسألة لا يترتب عليها عمل، فالاشتغال بها من الفضول، والاشتغال بما لا يعني، ولا ينفع.

والشاطبي - رحمه الله - في الموافقات ذكر هذه المسائل التي لا يترتب عليها عمل، ومن ثم لا ينبغي الاشتغال بها، فليست من العلم الذي ينفع، وإنما العلم الذي ينفع هو العلم الذي يترتب عليه عمل، أو اعتقاد صحيح يطالب به المكلف.

أما مثل هذا هل الأفضل الملائكة، أو الأفضل الصالحين من البشر؟ فهذا لا دليل عليه، ولا حاجة إليه، ولا يترتب عليه عمل، يعني: من يقولون بمثل هذا، يقولون أيضًا بأن النساء قلن في حق يوسف - عليه الصلاة، والسلام -: مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف: 31] هذا قول هؤلاء النساء الذي هو حجة، لكن يمكن أن يصحح باعتبار أن ما ذكر في القرآن، وهذه قاعدة من الحكايات إن لم يرد قبله، أو بعده، أو معه ما يدل على بطلانه، فهو صحيح غالبًا، وسبق ذكرت هذه القاعدة في مناسبات سابقة، وقلنا غالبًا؛ لأنه يوجد ما يستثنى منه، والقواعد أغلبية.

وما ذكره النساء في يوسف يدل على القول الآخر أن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة.

"وقرئ ملكين بكسر اللام، ويقوي هذه القراءة قوله: وملك لا يبلى."

إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ هذه القراءة تنسب لابن عباس - ا - ويحيى بن أبي كثير، والضحاك، وهي رواية علي بن حكيم عن الإمام ابن كثير القارئ المعروف[5] وهي اختيار شبل، والزعفراني. 

  1.  التحرير، والتنوير (8 - ب/64).
  2.  أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ رقم: (1173).
  3.  تفسير ابن كثير (3/397).
  4.  تفسير الطبري (12/348).
  5.  تفسير ابن كثير (3/397) تفسير القرطبي (7/178).