الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسْجُدُونَ ۩

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار، فقال لهم النبي ﷺ : يا أيها الناس ارْبَعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته [1] والمراد: الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين، ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال: إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ الآية.


قال الله في الدعاء: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [سورة الأعراف:55]، تضرعا: يعني بضراعة وذل واستكانة وخضوع وإخبات، وَخُفْيَةً لا ترفعوا أصواتكم في الدعاء إذا كان الإنسان يدعو لنفسه، وإذا كان خلفه من يؤمن عليه، فإنه يدعو بأدب دون رفع زائد للصوت فإن هذا من الاعتداء في الدعاء وسوء الأدب مع الله - تبارك وتعالى - ، تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً، وقال في الذكر: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ فذكر الخيفة وذكر الإسرار دون الجهر بالقول بالغدو والآصال، وقوله: فِي نَفْسِكَ يدل على أن المراد به الذكر، لا كما قال ابن جرير - رحمه الله - من أن ذلك في حال سماع القرآن، إذ كيف يكون بالغدو والآصال؟، - والله أعلم - .

وإنما ذكَرهم بهذا ليُقتدَى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله ، كما جاء في الحديث: ألا تصفّون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصف[2]، وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع.
  1. رواه البخاري برقم(2830)، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، ومسلم برقم (2704)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، روياه بدون زيادة: أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته فهي عند أحمد في مسنده (32/374) برقم (19599)،  وإسناده صحيح على شرط الشيخين، قاله محققو المسند، والنسائي في الكبرى برقم (7680).
  2. رواه مسلم برقم (430)، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول والتراص فيها والأمر بالاجتماع، من حديث جابر بن سمرة .

مرات الإستماع: 0

"إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [الأعراف: 206] هم الملائكة - عليهم السلام - وفي ذكرهم تحريض للمؤمنين، وتعريض للكفار وَلَهُ يَسْجُدُونَ قدم المجرور لمعنى الحصر، أي: لا يسجدون إلا لله وحده."