السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:42-43].
لما ذكر تعالى حالَ الأشقياء عطف بذكر حال السعداء فقال: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أي: آمنت قلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ضد أولئك الذين كفروا بآيات الله واستكبروا عنها.
وينبه تعالى على أن الإيمان والعمل به سهل؛ لأنه تعالى قال: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۝ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [سورة الأعراف:42-43] أي: من حسد وبغض.

في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [سورة الأعراف:42] يمكن أن يكون قوله: لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [سورة الأعراف:42] جملة اعتراضية، وعلى هذا يكون معنى الآية: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، وجاء بهذه الجملة المعترضة لدفع توهم قد يتوهمه السامع وهو أن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات قاموا بكل الأعمال الصالحة المقدور عليها وغير المقدور عليها فبيّن أن هذا غير صحيح؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فقوله: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يعني وعملوا الصالحات مما يقدرون عليها؛ لأننا لا نكلف نفساً إلا وسعها، فهو جاء بهذا القيد لبيان هذا المعنى، ومعلوم أن القيود في القرآن تأتي في كل موضع بحسب الحاجة إليها وهي أنواع كثيرة، ومن شاء فليراجع قواعد التفسير فهناك أمثلة وأنواع تذكر فيها هذه القيود في القرآن.

مرات الإستماع: 0

"لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأعراف: 42] جملة اعتراض بين المبتدأ، والخبر ليبين أنه ما يطلب من الأعمال الصالحة ما في الوسع، والطاقة."

يعني باعتبار أنها جملة اعتراضية وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف: 42] فذكر لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لإفادة هذا المعنى، وهذا كقوله - تبارك، وتعالى - في آخر البقرة: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] وكقوله أيضًا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق: 7] وكقوله أيضًا: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] فلا يكلف الناس بما لا يطاق.

وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله -[1] أنه، جاء هذا الاعتراض بين المبتدأ، والخبر لرفع توهم أن المكلفين عملوا جميع الصالحات المقدورة، والمعجوز عنها، لاحظ هذا غير الملحظ الذي ذكره ابن جزي.

ابن جزي يقول: هي جملة اعتراض بين المبتدأ، والخبر ليبين أنما يطلب من الأعمال الصالحة ما في الوسع، والطاقة.

وابن القيم يقول: لا، هنا لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ قبلها وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فجاء بهذه الجملة الاعتراضية ليبين أنهم حينما قال: آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ما عملوا كل الأعمال الصالحة مما يقدرون عليها، ويعجزون عنها، وإنما عملوا ما بوسعهم، وهذا له تعلق بما ذكره ابن جزي من جهة أنه كلفهم بما يدخل تحت طاقتهم، وقدرتهم، وإمكانهم غير المعجوز عنه، فذلك هو ما يقدر عليه الإنسان في حال السعة، والسهولة: لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لا في حال الضيق، والشدة، وأقصى الطاقة، فهذا لم يطالب الشارع به في قوله - تبارك، وتعالى - في الصيام: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ [البقرة: 184] في القراءة الأخرى التشديد بأي اعتبار فسر بأنهم يتكلفونه كالشيخ الكبير المسن الهرم الذي لا يستطيع الصوم إلا بمشقة، وكُلفة زائدة.

فمثل هذا النوع من المشقات هي التي لم يكلف الشارع بها، ولم يطالبهم يعني فيما يتعلق بالمريض، ورخصة الفطر، وكذلك أيضًا بما يتعلق بسائر التكاليف الشاقة.

مثلاً: هذا الذي لا يستطيع أن يحج؛ لأنه لا يثبت على الراحلة مثلاً، أو نحو هذا ما ضابط المشقة؟ فبعض الناس يسأل عن هذا متى يسقط عنه فرض الحج إلى بدل ليكون إلى بدل يعني بالعجز الحقيقي، أو العجز الحكمي.

  1. التبيان في أقسام القرآن (ص: 221 - 222).