الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَقَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥٓ إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ۝ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:59-62].
لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه، شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح فإنه أول رسول بعثه الله إلى الأرض بعد آدم وهو نوح بن لامك بن متوشلح بن خنوخ، وهو إدريس.

طبعاً هذه الأسماء في الكتب تختلف، أي أنها يدخلها شيء من التحريف، والله أعلم، فإذا نظرت في البداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ الأمم والملوك لابن جرير، والسيرة لابن هشام، وغير ذلك من المصادر التي تُذكر فيها هذه الأسماء تجد فروقات في ضبط هذه الأسماء، فهنا يقول: "نوح بن لامك بن متوشلح بن خنوخ وهو إدريس" وبالطبع فإن هذه أسماء أعجمية.
وقوله: "ابن خنوخ وهو إدريس" هذا بناء على أن إدريس ﷺ كان قبل نوح وأنه من أجداده، وهذا ذكره بعض المؤرخين، وذكره ابن إسحاق أيضاً، لكنه لا يثبت، بل قال ابن العربي المالكي: إن هذا وهم، فالأقرب أن إدريس ﷺ كان بعد نوح، ومعلوم أن نوح هو أول رسول أرسل إلى أهل الأرض فلم يكن قبله رسول، وآدم ﷺ كان نبياً.
وعلى قول من قال: إن إدريس من أجداد نوح يقولون: على هذا يكون من الأنبياء وليس من الرسل، وعلى كل حال لا يثبت أنه كان قبله.
وكثير ممن كتبوا في تاريخ الأهرام وتكلموا عليها ممن ينقلون من الأخبار الإسرائيلية والأشياء التي لا يمكن أن يوثق بها، يقولون: إن الذي بناها هو إدريس وإن كانوا لا يذكرونه بهذا الاسم لكنهم يقصدون إدريس ، ويقولون: إنها كانت قد بنيت قبل الطوفان ولو كانت بعد الطوفان لعرفنا خبرها، يعني لو كان الذين بنوها هم الفراعنة مثلاً لعرفوا خبرها فحيث قد انقطع خبرها، هذا يدل على أنها بنيت قبل الطوفان.
هكذا يقولون، ويمكن الرجوع في هذا إلى ما كتبه المقريزي في كتاب الخطط، وكذلك السيوطي في حسن المحاضرة حيث أطال في الكلام على هذا.
وعلى كل حال لعل الأقرب - والله أعلم - أن إدريس كان بعد نوح ولم يكن قبله، وكان بين نوح وآدم  عشرة قرون كلها على التوحيد، ولا يعني هذا بالضرورة أن المدة التي كانت بين آدم وبين نوح عشرة قرون، وإنما المقصود أن الذين كانوا على التوحيد عشرة قرون، ثم وقع الشرك في قوم نوح فبعث الله إليهم نوحاً.
وهو نوح بن لامك بن متوشَلَح بن خنوخ - وهو إدريس النبي فيما يزعمون، وهو أول من خط بالقلم - ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم ، هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب.
قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير: وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صورة أولئك فيها؛ ليتذكروا حالهم وعبادتهم، فيتشبهوا بهم، فلما طال الزمان جعلوا أجساداً على تلك الصور، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام، وسموها بأسماء أولئك الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، فلما تفاقم الأمر بعث الله - وله الحمد والمنة - رسوله نوحاً فأمرهم بعبادة الله وحدة لا شريك له، فقال: يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة الأعراف:59] أي: من عذاب يوم القيامة، إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به.

مرات الإستماع: 0

"مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قرأ الكسائي بالخفض حيث وقع على اللفظ، وقرأ غيره."

حيث وقع يعني في أي موضع في القرآن يعني من غير استثناء لبعض المواضع، بالخفض، (مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ) على اللفظ يعني تبعًا للفظ (مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ) فيكون تبعًا لما قبله "إلهٍ" هنا مجرور بـ "من" فــ "من" هذه حرف جر، من إلهٍ غيرِهِ.

"وقرأ غيره بالرفع على الموضع."

أي قراءة الجمهور بالرفع على الموضع، قال: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] إله هذه هي في موضع رفع، يعني قبل دخول "من" الجارَّة: ما لكم إلهٌ غيرُه، فدخلت عليها "من" هذه فـ "إله" نكرة في سياق النفي، فدخلت عليها "من" لتنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم.

ولهذا يقولون عن "من" هذه بأنها صلة يعني زائدة، لتنصيص العموم يكون نصًا يعني لتقوية العموم مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ أصلها: ما لكم إلهٌ غيرُهُ، فعلى قراءة الجمهور: غيرُهُ يرجع إلى موضع إله، فهو في موضع رفع، فلما دخلت عليه "من" هذه الزائدة إعرابًا صار في موضع خفض، إلهٍ، فقال: غيرُهُ إعادة إلى موضع إله، الذي هو الرفع، لا على لفظه، وعلى قراءة الكسائي يكون بالخفض إتباعًا للفظ قبله بالجر.

"عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يعني: يوم القيامة، أو يوم هلاكهم. "