"وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ هو الكريم من الأرض، الجيد التراب، والذي خبث: بخلاف ذلك؛ كالسبخة، ونحوها."
وَالَّذِي خَبُثَ يعني ردأت تربته، وملحت مشاربه.
"بِإِذْنِ رَبِّهِ عبارة عن السهولة، والطيب، والنكد: بخلاف ذلك، ويحتمل أن يكون المراد ما يقتضيهِ ظاهر اللفظ، فتكون متممة للمعنى الذي قبلها في المطر، وأن يكون تمكينًا للقلوب، فقيل على هذا: الطيب قلب المؤمن، والخبيث قلب الكافر، وقيل: هما الفَهِم، والبليد."
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف: 58] حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى، والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب، يعني أرض صلبة تمسك الماء من الجدب، وهو القحط - يعني كأنها لصلابتها لا تنبت - أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا، ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان - جمع قاع، وهي الأرض المستوية التي لا نبات فيها - لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم، وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به.
هنا على اعتبار أن قوله: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا باعتبار أنه مثل، فيكون بمعنى هذا الحديث، يكون الحديث تفسيرًا له، والنبي ﷺ لم يذكر الآية، لكن باعتبار أنه مثل يكون هذا الحديث مبينًا له.
وجاء عن ابن عباس - ا - قال: "هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة، المالحة، التي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث".
فهذا باعتبار أنه مثل قاله ابن عباس - ا - وهو اختيار ابن جرير وابن القيم والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحم الله الجميع، أن هذا مثل مع أنه ليس فيه تصريح بلفظ المثل أبدًا، وليس فيه ذكر كاف التشبيه، أو ما يدل على التشبيه، أو لفظة "مثل" فالأمثال في القرآن على أنواع، منها ما يصرح به بلفظ المثل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة: 17].
في أوله، وقد يكون في آخره عن التصريح، وقد يكون بذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ [النور: 40] مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور: 35] هنا ذكر مثل ذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور: 40] ذكر كاف التشبيه.
وأحيانًا لا يُذكر لا هذا، ولا هذا: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17].
فهنا جاءت لفظة: يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ يعني ضرب المثل، لكنه لم يصرح بالمثل.
أحيانًا لا يذكر ما يُشعِر به إلا ما قد يفهم من السياق، مثل هذا الموضع، وقد تكلمت على الأمثال تفصيلاً، وذكرت في مقدماتها في مجالس هذا المعنى، وأنواع هذه الأمثال في القرآن، ولعلها تُطبع قريبا إن شاء الله.
يقول: بإذن ربه عبارة عن السهولة، والطيب إلى آخره.
يقول: وأن يكون تمكينًا للقلوب فقيل على هذا: الطيب قلب المؤمن، والخبيث قلب الكافر، أو المنافق، وقيل هما الفَهِم، والبليد.
وقيل من جهة قبول الوعظ من عدمه، وقيل هو مثل للطيب، والخبيث من بني آدم عمومًا.