الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذْنِ رَبِّهِۦ ۖ وَٱلَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [سورة الأعراف:58] أي: والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعاً حسناً، كقوله: وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [سورة آل عمران:37].


وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا [سورة الأعراف:58] قال مجاهد وغيره: كالسباخ ونحوها.
قوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [سورة الأعراف:58] قال فيه بعض أهل العلم: إن هذا مثل ضربه الله تعالى لسريع الفهم والبليد، لكن هذا القول فيه بعد.
وبعضهم قال: هذا مثل للقلوب من جهة تأثير الموعظة، فمنهم من إذا سمع الموعظة أثر فيه ذلك أبلغ التأثير، ومنهم من لا يرفع لذلك رأساً ولا يتأثر.
وبعضهم قال: هذا مثل لقلب المؤمن وقلب المنافق.
وبعضهم يقول: هذا مثل للطيب والخبيث، ولعل الحديث الذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا – وسيأتي بعد قليل - يدل على ذلك، أعني حديث أبي موسى حيث مثل حال الناس في قبول هدى الله - تبارك وتعالى - والانتفاع به فجعلهم على ثلاثة أقسام، فقال تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا [سورة الأعراف:58] فمن أراد الله هدايته وصلاح حاله إذا سمع هدى الله - تبارك وتعالى - ومواعظ القرآن أثرت فيه غاية التأثير فأنبت ذلك في قلبه الخوف والرجاء والمحبة، فأقبل على الله - تبارك وتعالى - وصار عابداً له، وأما الآخر فهو كما قال الله - تبارك وتعالى - : إنهم إذا خرجوا من عند النبي ﷺ قالوا: مَاذَا قَالَ آنِفًا [سورة محمد:16] وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [سورة التوبة:125] فلا ينتفعون بهذه الآيات، ولا بوحي الله .

وروى البخاري عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضاً فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به[1].
  1. أخرجه البخاري في كتاب العلم - باب فضل من علم وعلم (79) (ج 1 / ص 42) ومسلم في كتاب الفضائل - باب بيان مثل ما بُعث به النبي  ﷺ  من الهدى والعلم (2282) (ج 4 / ص 1787).

مرات الإستماع: 0

"وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ هو الكريم من الأرض، الجيد التراب، والذي خبث: بخلاف ذلك؛ كالسبخة، ونحوها."

وَالَّذِي خَبُثَ يعني ردأت تربته، وملحت مشاربه.

"بِإِذْنِ رَبِّهِ عبارة عن السهولة، والطيب، والنكد: بخلاف ذلك، ويحتمل أن يكون المراد ما يقتضيهِ ظاهر اللفظ، فتكون متممة للمعنى الذي قبلها في المطر، وأن يكون تمكينًا للقلوب، فقيل على هذا: الطيب قلب المؤمن، والخبيث قلب الكافر، وقيل: هما الفَهِم، والبليد."

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا [الأعراف: 58] حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ: إن مثل ما بعثني الله به من الهدى، والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب، يعني أرض صلبة تمسك الماء من الجدب، وهو القحط - يعني كأنها لصلابتها لا تنبت - أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا، ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان - جمع قاع، وهي الأرض المستوية التي لا نبات فيها - لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم، وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به[1].

هنا على اعتبار أن قوله: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا باعتبار أنه مثل، فيكون بمعنى هذا الحديث، يكون الحديث تفسيرًا له، والنبي ﷺ لم يذكر الآية، لكن باعتبار أنه مثل يكون هذا الحديث مبينًا له.

وجاء عن ابن عباس - ا - قال: "هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة، المالحة، التي لا تخرج منها البركة، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث"[2].

فهذا باعتبار أنه مثل قاله ابن عباس - ا - وهو اختيار ابن جرير[3] وابن القيم[4] والشيخ محمد الأمين الشنقيطي[5] رحم الله الجميع، أن هذا مثل مع أنه ليس فيه تصريح بلفظ المثل أبدًا، وليس فيه ذكر كاف التشبيه، أو ما يدل على التشبيه، أو لفظة "مثل" فالأمثال في القرآن على أنواع، منها ما يصرح به بلفظ المثل: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة: 17].

في أوله، وقد يكون في آخره عن التصريح، وقد يكون بذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ [النور: 40] مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ [النور: 35] هنا ذكر مثل ذكر كاف التشبيه أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور: 40] ذكر كاف التشبيه.

وأحيانًا لا يُذكر لا هذا، ولا هذا: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17].

فهنا جاءت لفظة: يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ يعني ضرب المثل، لكنه لم يصرح بالمثل.

أحيانًا لا يذكر ما يُشعِر به إلا ما قد يفهم من السياق، مثل هذا الموضع، وقد تكلمت على الأمثال تفصيلاً، وذكرت في مقدماتها في مجالس هذا المعنى، وأنواع هذه الأمثال في القرآن، ولعلها تُطبع قريبا إن شاء الله.

يقول: بإذن ربه عبارة عن السهولة، والطيب إلى آخره.

يقول: وأن يكون تمكينًا للقلوب فقيل على هذا: الطيب قلب المؤمن، والخبيث قلب الكافر، أو المنافق، وقيل هما الفَهِم، والبليد.

وقيل من جهة قبول الوعظ من عدمه، وقيل هو مثل للطيب، والخبيث من بني آدم عمومًا. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم، وعلم، برقم (79) ومسلم، كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث به النبي ﷺ من الهدى، والعلم، برقم (2282) واللفظ لمسلم.
  2.  تفسير الطبري (10/258).
  3.  المصدر السابق.
  4. إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/108).
  5.  انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/13).