لما ذكر تعالى أنه خالق السماوات والأرض وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر، وأرشد إلى دعائه؛ لأنه على ما يشاء قادر، نبَّه تعالى على أنه الرزاق وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال: وهُو الذي يُرسِلَ الرِّيَاحَ نَشْرًا أي: ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ بُشْرًا كقوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [سورة الروم:46].
هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أعني قوله: "لما ذكر تعالى أنه خلق السماوات والأرض..." إلى آخره، هذا يسمونه بالمناسبة، وهو وجه الارتباط بين الآية وبين ما قبلها.
وقوله - تبارك وتعالى - : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا - بضم الباء وإسكان الشين - هذه قراءة عاصم، والمعنى أنها تبشر بالمطر كما قال الله في الآية الأخرى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ [سورة الروم:46] فهي تهب بين يدي المطر.
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشْرًا أي: ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ بُشْرًا" وقلنا: بُشْرًا هذه قراءة عاصم، والمعنى أنها تبشر بالمطر، ونُشْراً بضم النون وإسكان الشين هذه قراءة ابن عامر، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو بضم النون والشين نُشُراً فبعضهم يقول: هذا جمع الجمع، وبعضهم يقول: إن نُشُراً يعني الرياح التي تهب من كل ناحية من النواحي المختلفة، وقراءة حمزة والكسائي بفتح النون والشين على المصدر يعني نَشَراً وفسر هذه القراءة كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - بأنها الرياح الطيبة.
وعلى كل حال فقراءة بُشْرًا يعني أنها تبشر بالمطر، فإذا رآها الناس أمّلوا بنزول المطر، وهي رياح معينة فليست كل رياح يأتي معها المطر، وهذا الشيء الذي يستبشرون به لا يتنافى مع ما يداخله ويخالطه من الخوف من أن يكون ذلك عذاباً، فهذا إنما يكون لأهل المعرفة بالله ، وأهل الخشية؛ لأن النبي ﷺ كان إذا رأى السحاب دخل وخرج وظهرت عليه أمارات الخوف، ويخبر ﷺ: أن قوماً قد رأوا هذا السحاب فكان عذاباً، مع أنهم لما رأوه استبشروا به وقالوا: هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [سورة الأحقاف:24-25].
فالسحاب قد يكون نعمة وقد يكون عذاباً، ولهذا كان النبي ﷺ يخاف غاية الخوف حتى ينزل المطر، فهذا لأهل المعرفة بالله - تبارك وتعالى - ، وأما على قراءة نُشْراً فالمعنى أنها ناشرة للسحاب.
وقوله: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً [سورة الأعراف:57] أي: حملت الرياح سَحَابًا ثِقَالاً أي: من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة كبيرة من الأرض مدلهمة.
يقول الحافظ: "بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [سورة الأعراف:57] أي: بين يدي المطر" يعني تهب هذه الرياح ثم بعد ذلك يكون نزول المطر، وهذا شيء معروف يدركه الناس، فالرياح المثيرة للمطر هي التي تسوق السحاب وتنشره فينزل المطر بعدها، وفي بعض النواحي لا يكاد يخطئ توقع الناس لنزول المطر حينما تهب الرياح من ناحية معينة أو حينما يأتي السحاب من ناحية معينة.
يقول: حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً [سورة الأعراف:57] أَقَلَّتْ يعني حملت ورفعت، فهذه الرياح هي التي تحمل السحاب وتسوقه حيث أراد الله - تبارك وتعالى - .
يعني ذكْر إحياء الأرض بعد موتها في القرآن هو أحد أنواع الأدلة الدالة على البعث، حيث يدل على قدرة الله ، وقد مر معنا خمسة أنواع من هذه في سورة البقرة، ومعلوم أن كل نوع من هذه الأنواع تحته أمثلة كثيرة في القرآن، فإحياء الأرض بعد موتها يتكرر في القرآن كثيراً حيث يستدل ربنا - تبارك وتعالى - به على قدرته على بعث الأجساد بعد موتها.