قوم هود قالوا لهود : مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ [سورة هود:53] وقالوا له: إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ [سورة هود:54] هكذا كانوا يجادلونه في هذه الآلهة ويخوفونه من أن توصل إليه مكروهاً كما خوّف قوم إبراهيم إبراهيم ﷺ من آلهتهم، فهو يقول لهم: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم [سورة الأعراف:71] يعني لا حقيقة لها وإنما اخترعتم لها هذه الأسماء وجعلتموها آلهة وهي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا حقيقة لها وليس لها نصيب من الإلهية!
وقال محمد بن إسحاق: كانوا يسكنون باليمن بين عُمان وحضرموت، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله فبعث الله إليهم هوداً وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً، فأمرهم أن يوحدوا الله ولا يجعلوا معه إلهاً غيره وأن يكفوا عن ظلم الناس، فأبوا عليه وكذبوه، وقالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [سورة فصلت:15] واتبعه منهم ناس، وهم يسيرٌ يكتمون إيمانهم، فلما عتت عاد على الله وكذبوا نبيه وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبروا وبنوا بكل ريع آية عبثاً بغير نفع، كلمهم هود فقال: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [سورة الشعراء:128-131].
يعني من شدة بطرهم وأشرهم كانوا يبنون على الأماكن المرتفعة قصوراً لا حاجة لهم بها، أي فوق حاجتهم.
وقوله تعالى: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [سورة الشعراء:129] ذكرنا مراراً أنها الآية الوحيدة في القرآن التي تفسر فيها "لعل" بـ"كأن" والباقي للتعليل، وفسرت المصانع بأنها القصور، وهي عملُ مَن كأنه سيخلد في هذه الدنيا.
ومن أوصاف قوم عاد ما ذكره الله عنهم في قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [سورة الفجر:6-8] هذا بعض ما وصف الله به حالهم وجبروتهم وقوتهم.
وروى الإمام أحمد عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ﷺ فمررت بالربذة، فإذا بعجوز من بني تميم منقَطَعٍ بها.
قوله: "منقَطَعٍ بها" يعني لا تجد من يبلغها إلى المكان الذي تريد، أو لا تجد وسيلة تصل بها إلى مبتغاها، والربذة منطقة معروفة وهي التي كان فيها أبو ذر وهي ناحية شرقي المدينة، فعلى بعد مائة وعشرين كيلو من المدينة تقريباً تأتي الحناكية - على الطريق القديم - فإذا دخلت في داخل الصحراء نحو الحناكية قريباً من أربعين كيلو تأتي الربذة التي لا زال بعض أطلالها إلى اليوم.
جاء في بعض الروايات أنها سرية ذات السلاسل، وفي بعض الروايات أن عمرو بن العاص قد قدم بهذا الجيش وقد وصل إلى المدينة.
الدبرة تقال للنصر والغلبة، وهي من الأضداد فيقال الدبرة للهزيمة أيضاً.
النبي ﷺ من مضر وقولها: "تضطر مضرك" يعني تضيق عليهم بهذا.
قوله: "يستطعمه" يعني يستزيده من الحديث.
بعضهم رواه بسياق أطول من هذا وأكثر تفصيلاً، وبعضهم مختصراً، وهو في المسند قد ذكر له عدة روايات، وحسنه محقق المسند، وفي كتب التاريخ يذكرون تفاصيل أكثر من هذا، ويذكرون الأشعار التي كانت تغني بها الجاريتان، وأن معاوية بن بكر لما أطالوا المكث عنده لقن هؤلاء الجواري أبياتاً فرددنها على مسامع هؤلاء الوفد من أجل أنه أُحرج معهم وكره أن يشعرهم بشيء لئلا يظنوا أنه قد استثقل مكثهم عنده، ولما سمعوا بعض الأبيات حصل ما حصل، والله أعلم.
- أخرجه أحمد (15996) (ج 3 / ص 482) وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده حسن".