قال علماء التفسير والنسب: ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس بن عاثر، وكذلك قبيلة طَسْم، كل هؤلاء كانوا أحياء من العرب العاربة قبل إبراهيم الخليل وكانت ثمود بعد عاد، ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام، إلى وادي القُرى وما حوله، وقد مرَّ رسول الله ﷺ على ديارهم ومساكنهم وهو ذاهب إلى تبوك في سنة تسع.
روى الإمام أحمد عن ابن عمر - ا - قال: لمَّا نزل رسول الله ﷺ بالناس على تبوك، نزل بهم الحِجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا لها القدور، فأمرهم النبي ﷺ فأهرقوا القدور وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا وقال: إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم[1].
وروى أحمد أيضاً عن عبد الله بن عمر - ا - قال: قال رسول الله ﷺ وهو بالحِجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيحين[2].
يؤخذ من هذا الحديث أن الإنسان لا يقصد هذه الأماكن لزيارتها والفرجة، لكن من مرَّ بها فأراد أن يدخلها فإنه يدخل باكياً أو متباكياً، والآيات التي أرشد الله بها في القرآن إلى السير في الأرض والنظر في عواقب المكذبين هذه لمن كان عنده تردد وشك فإنه يذهب وينظر في حال هؤلاء وما حصل لهم ليعتبر، وأما من عرف الحق وآمن به فلا حاجة به لمثل هذا.
ويدخل في هذا قوم لوط ؛ لأن الله لم يذكر في دعوتهم - كما سيأتي - أن لوطاً ﷺ خاطبهم بالتوحيد ولهذا فهم منه بعض أهل العلم أنه لم يكن عندهم إشراك، وإنما كان عندهم الفاحشة، وهذا ليس بلازم، وإنما كان هؤلاء قد جاءوا بأمر لم يسبقوا إليه، وهو هذه الفاحشة، فجاءهم لوط ﷺ- فأنكرها عليهم، فلا يعني هذا بحال من الأحوال أن لوطاً ﷺ ما خاطبهم بالتوحيد، ثم لو كان هؤلاء عندهم إيمان بالله - تبارك وتعالى - لما فعلوا هذا الفعل حتى كابروا غاية المكابرة واستهزءوا بلوط وهموا بإخراجه وإخراج المؤمنين معه حيث قالوا: أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [سورة الأعراف:82] وكانوا يراودونه عن ضيوفه، وهذا لا يفعله أناس من أهل الإيمان، ثم إن كانوا مؤمنين فمن أين جاءهم ذلك الإيمان؟ فإبراهيم ﷺ هاجر إلى الشام وآمن له لوط، وهو ابن أخيه، ولم يكن في تلك الناحية بل حتى على وجه الأرض أحد من المؤمنين، ولهذا استشكل العلماء قوله - تبارك وتعالى - : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [سورة الممتحنة:4] فمن الذين كانوا مع إبراهيم ﷺ ولا يُعرف أنه آمن له أحد حينما كان في تلك الناحية عند قومه؟ ثم بعد ذلك لما هاجر آمن له لوط أو آمن له لوط عند هجرته وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [سورة العنكبوت:26] فهاجر إلى الشام، ولوط ذهب إلى ناحية قريبة من فلسطين فمن أين جاءهم التوحيد قبل إبراهيم ﷺ؟
الحاصل أن الله لم يذكر أنه دعاهم إلى التوحيد، ولا يلزم ذلك أنه لم يدعهم إليه، فالله يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [سورة الأنبياء:25] ويقول: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [سورة النحل:36] أي كل رسول كان يأمر قومه بعبادة الله وحده، ومنهم لوط ﷺ.
وكانت عصبة من آل عمرو | عزيزَ ثمود كلهم جميعاً |
لأصبح صالحٌ فينا عزيزاً | ولكن الغواة من آل حجر |
إلى دين النبي دَعوا شهابا | فهمّ بأن يجيب فلو أجابا |
وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا | تولُّوا بعد رشدهم ذؤابا |
قال قتادة: بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها، حتى على النساء في خدورهنَّ وعلى الصبيان، قلت: وهذا الظاهر لقوله تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا [سورة الشمس:14].
يعني أنهم تواطئوا على قتلها جميعاً ما عدا المؤمنين الذين آمنوا حينما رأوا هذه الآية، والدليل على أن قتلها كان بمواطأة من الجميع - من غير المؤمنين - أن الله نسب عقْرها إليهم فقال: فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ [سورة الأعراف:77] وقال تعالى: وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [سورة الأعراف:77]؛ فنبي الله قال لهم: وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة الأعراف:73] فلما عتوا عن أمر الله قالوا له: ائتنا بهذا العذاب الذي توعدتنا به.
قوله: وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً أي آية مبصرة، وليس المقصود وصف الناقة أنها مبصرة.
- أخرجه أحمد (5984) (ج 2 / ص 117) وقال شعيب الأرنؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير –باب تفسير سورة الحجر (4425) (ج 4 / ص 1737) ومسلم في كتاب الزهد والرقائق - باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (2980) (ج 4 / ص 2285).