أصل العقْر في كلام العرب هو الجرح، وبعضهم يقول: هو قطع عضو يؤثر في تلف النفس، تقول: عقرتُ الفرس إذا ضربت قوائمه بالسيف.
وبعضهم يقول: أصل العقْر هو كسر عرقوب البعير، ثم أطلق بعد ذلك على نحره؛ لأن كسر عرقوبه يؤدي إلى ذلك غالباً، أي يكون سبباً لنحره، يعني هم يضربون عرقوبه مثلاً من أجل أن يسهل عليهم نحره، وحتى في بعض الروايات في تفاصيل قتل الناقة – وهذا من المأخوذ عن بني إسرائيل - أنهم لما تآمروا على ذلك كمن لها أحدهم في صخرة فلما مرت به ضرب عرقوبها، ثم جاء الآخر وضربها في لبتها فنحرها، وفي الآية الأخرى أضاف العقر إلى واحد منهم فقال: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29] يعني عمل عملاً فعقر، وهذا هو أحيمر ثمود، ويذكرون في التواريخ تفاصيل كثيرة في فعلهم ذلك وأسبابه، فالله تعالى أعلم.
وأما اسم هذه المرأة – عنيزة - فقد تكون نسبت إلى غنمها فقيل: بنت غَنَم لكثرة غنمها، أو من باب أن لكل مسمى له من اسمه نصيب سميت عنيزة بنت غنَم، وقيل: إنها كنيت بأم غنم لكثرة غنمها على ما ورد في بعض الأخبار، أما في أسماء بعض قادة التاريخ الإسلامي فيرد غنْم – بتسكين النون - وليس بفتحها، ومن أولئك عبد الرحمن بن غَنْم، وليس ابن غنَم كما يقول بعض الناس.
وكانت من أشدِّ الناس عداوة لصالح وكانت لها بنات حسان ومال جزيل، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود، وامرأة أخرى يقال لها: صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا ذات حسب ومال وجمال، وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته، فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة، فدعت صدوف رجلاً يقال له الحُباب، فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة فأبى عليها، فدعت ابن عم لها يقال له: مصدع بن مهرج بن المحيا فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم قُدارَ بن سالف بن جندع، وكان رجلاً أحمر أزرق قصيراً، يزعمون أنه كان ولد زنية، وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه وهو سالف، وإنما هو من رجل يقال له: صهياد، ولكن وُلد على فراش سالف، وقالت له: أعطيك أيَّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة، فعند ذلك انطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر فصاروا تسعة رهط، وهم الذين قال الله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ [سورة النمل:48] وكانوا رؤساء في قومهم فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها فطاوعتهم على ذلك، فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء وقد كمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظم به عضلة ساقها، وخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجهاً فسفرت عن وجهها لقدار وذمَّرته وشدَّ على الناقة بالسيف فكسف عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة، تحذّر سَقْبَها.
قوله: "تحذر سقبها" يعني ولدها.
فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبرُ صالحاً فجاءهم وهم مجتمعون، فلما رأى الناقة بكى وقال: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ الآية [سورة هود:65].
الأهرامات هل هي ديار قوم معذبين فلا تجوز زيارتها؟:
بعض المؤرخين يقول: غالب الظن أنها كانت قبل الطوفان، أي قبل نوح ، وكثير منهم يذكرون أن الذي بناها هو إدريس ﷺ على أنه كان قبل نوح، ولا يثبت أن إدريس كان قبل نوح، وابن العربي يقول: هذا وهم، والأقرب أنه كان بعده.
وعلى كل حال فالأهرام إن كانت قبل الطوفان فهي ليست أماكن أناس معذبين، وإن كانت بعد الطوفان فينظر إن كانت لقوم ليسوا من المعذبين فلا ينطبق عليها هذا، وإن كانت كما يزعمون للفراعنة فهذا أيضاً محل نظر؛ باعتبار أن محل العذاب الذي وقع هو البحر وليست أرض مصر وإلا لكانت تلك الناحية جميعها أرضاً للمعذبين، وهذا لم يقل به أحد؛ والمقصود أن الذي لا يجوز زيارته هو المحل الذي نزل به العذاب.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن وادي محسِّر لما مرَّ به النبي ﷺ أسرع؛ لأنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل، وهذا لا يثبت - أعني أن الله أهلك الفيل هناك - ولذلك ذكر بعضهم مكاناً آخر، وربما كان النبي ﷺ أسرع؛ لأن المحل يقتضي هذا، وكذلك نقل عن علي أنه لما مر بأرض الخسف من بابل أسرع وتلثم وأخر الصلاة حتى تجاوزه.
والناس يسألون كثيراً عن منتجات البحر الميت حيث توجد محلات ومصانع تصنع ألوان المستحضرات التجميلية وأشياء أخرى مما يتعالج به الناس وما أشبه ذلك وكلها مستخرجة منه، فيقولون: هل هذا هو المكان الذي عذب الله فيه قوم لوط ﷺ؟
فأقول: وإن قال بهذا بعضهم إلا أني أظنه لا يثبت، والله قال: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ[سورة الصافات:138] فهل المقصود بذلك أنهم كانوا يمرون على البحر الميت أو أن لهم قرى كانوا يمرون عليها، فالله تعالى أعلم، فالأصل أن المكان الذي لا يثبت أنه محل للمعذبين لا تجري عليه الأحكام التي رتبها النبي ﷺ على مدائن قوم صالح، حيث نهاهم أن يستقوا من الآبار، وما عُجن بتلك المياه أمرهم أن يعلفوه الدواب، وإنما يكون هذا الحكم سارياً على المكان الذي عرف بهذا، والله أعلم.