الإثنين 21 / ذو القعدة / 1446 - 19 / مايو 2025
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا۟ فِى دَارِهِمْ جَٰثِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [سورة الأعراف:78] أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد لا صغير ولا كبير، لا ذكر ولا أنثى، قالوا: إلا جارية كانت مقعدة واسمها كلبة بن السِّلْق، ويقال لها: الزُّرَيْقة، وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح ، فلما رأت ما رأت من العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من الأحياء فأخبرتهم بما رأت وما حلَّ بقومها، ثم استسقتهم من الماء فلما شربت ماتت.

فقوله - رحمه الله - : "جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم" هذا جمع بين ما ورد في كتاب الله مما يُذكر فيه عقوبتهم، فقد ذكر الله - تبارك وتعالى - أنهم أخذتهم الرجفة، والرجفة: هي الزلزلة، أي اضطربت بهم الأرض واهتزت بهم.
وبعضهم يقول: أي الصيحة الشديدة، كما قال الله في سورة هود: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [سورة هود:67] وأحسن ما يقال في هذا - والله تعالى أعلم - هو ما ذكره الحافظ ابن كثير ومشى عليه جماعة من المحققين، وممن قال به الشيخ محمد الأمين الشنقيطي من المعاصرين، وهو أن الله  أخذهم بالرجفة، حيث صاح بهم الملك فاضطربت بهم الأرض ورجفت بهم فصاروا في دارهم جاثمين.
وأصل الجثوم هو اللصوق بالأرض والجُثِيّ على الركب والوجوه، والمقصود أنهم هلكوا وماتوا وفارقت أرواحهم أجسادهم.
يقول: "إلا جارية كانت مقعدة واسمها كلبة بنت السِّلْق ويقال لها: الزريقة" ويقال لها: الزريعة - هكذا ضبطُه في تفسير ابن جرير، وهو الذي رجحه الشيخ محمود شاكر - رحمه الله - ؛ باعتبار أن العرب تقول للكلاب أولاد زارع.
 والسِّلْق هو الذئب، فهي كلبة بن السلق وأولاد زارع يعني الكلاب، ولذلك يقال لهذه الزريعة، والعرب تقول: بأن الذئب ينزو على الكلبة ويولدها.
قال علماء التفسير: ولم يبقَ من ذرية ثمود أحد سوى صالح ومن تبعه إلا أن رجلا يقال له: أبو رِغال كان لما وقعت النقمة بقومه مقيماً إذ ذاك في الحرم فلم يصبه شيء فلما خرج في بعض الأيام إلى الحل، جاءه حجر من السماء فقتله.
قال عبد الرزاق عن معمر أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي ﷺ مرَّ بقبر أبي رغال فقال: أتدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا قبر أبي رِغال رجل من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرمُ الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا ودفن معه غصن من ذهب فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن وقال عبد الرزاق قال معمر قال الزهري: أبو رغال أبو ثقيف[1].

هذه الرواية عن معمر عن إسماعيل بن أمية عن النبي ﷺ فهي واضحة أنها من المرسل، ولذلك ضعفها أهل العلم، فالله أعلم.
  1. أخرجه أبو داود في كتاب الخراج - باب نبش القبور العادية يكون فيها المال (3090) (ج3 / ص 148) والطبراني في الأوسط (2788) (ج 3 / ص 158) وعبد الرزاق في مصنفه (20989) (ج 11 / ص 454) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (4736).

مرات الإستماع: 0

"الرَّجْفَةُ [الأعراف: 78] الصيحة حيث وقعت؛ وذلك أن الله أمر جبريل، فصاح صيحة بين السماء، والأرض، فماتوا منها".

أصل المادة يدل على اضطراب، فالرجفة حركة الأرض، وهنا فُسِّر بالصيحة، صاح بهم الملك، فاضطربت بهم الأرض، فجمع الله لهم هذا، وهذا.

"قوله تعالى: جَاثِمِينَ [الأعراف: 78] حيث وقع، أي: قاعدين، لا يتحركون". 

قاعدين لا يتحركون أي: جامدين، وميتين، وواقعين بعضهم على بعض، أو باركين على الركب، وهذا استعمال معروف، يقال: جثم الطائر إذا قعد، وصار لاصقًا بالأرض، فأصل المادة يدل على تجمع الشيء، فالجثوم يقال للبروك على الركب، أو النزول على الركب، يعني كأنهم سقطوا على وجوههم باركين على ركبهم، أو وقع بعضهم على بعض هلكى.