الثلاثاء 22 / ذو القعدة / 1446 - 20 / مايو 2025
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [سورة الأعراف:79] هذا تقريع من صالح لقومه، لما أهلكهم الله لمخالفتهم إياه، وتمرُّدهم على الله وإبائهم عن قبول الحق، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم تقريعاً وتوبيخاً وهم يسمعون ذلك، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ لما ظهر على أهل بدر أقام هناك ثلاثاً، ثم أمر براحلته فشدت بعد ثلاث من آخر الليل فركبها ثم سار حتى وقف على القليب - قليب بدر - فجعل يقول: يا أبا جهل بن هشام يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال له عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أقوام قد جيفوا؟ فقال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون[1].
وهكذا صالح قال لقومه: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [سورة الأعراف:79] أي: فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق، ولا تتبعون ناصحاً، ولهذا قال: وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [سورة الأعراف:79].

الأقرب - والله تعالى أعلم - أنه قال لهم ذلك بعد أن أهلكم الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه ذكره بعد إهلاكهم، والآية تحتمل أيضاً أن يكون قال ذلك لهم حينما عقروا الناقة واستوجبوا العذاب فقال لهم ذلك وفارقهم قبل أن ينزل بهم عذاب الله ونقمته، وهذا قال به طائفة من السلف،  لكن الأقرب هو ما ذكره ابن كثير - رحمه الله - ويدل عليه ظاهر القرآن، أي أنه قال ذلك بعد نزول العقوبة بهم، وكونه يوجه لهم هذا الخطاب بعد ما هلكوا ليس ذلك بمشكل للحديث الذي سبق عن رسول الله ﷺ.
  1. أخرجه البخاري في كتاب المغازي – باب قتل أبي جهل (3757) (ج 4 / ص 1461) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (2873) (ج 4 / ص 2202).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ [الأعراف: 79] الآية، يحتمل أن يكون توليه عنهم، وقوله لهم، حين عقر الناقة، قبل نزول العذاب بهم؛ لأنه رُوِي أنه خرج حينئذٍ من بين أظهرهم، أو يكون ذلك بعد أن هلكوا، وهو ظاهر الآية، وعلى هذا خاطبهم بعد موتهم على وجه التَفجُّع عليهم، وقوله: لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79] حكاية حال ماضية". 

على القول الأول: أنه خرج من بين أظهرهم، وقال ذلك قبل أن ينزل بهم العذاب، ويحل بهم الدمار، والهلاك، هذا الذي اختاره ابن جرير[1] والقرطبي[2] بقرينة: وَلكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79] أنه خاطبهم، والفعل المضارع يدل على الاستمرار.

أو أن يكون ذلك بعد هلاكهم، يقول: "وهو ظاهر الآية" فكان ذلك على سبيل التَفجُّع، وهذا الذي اختاره جماعة من المفسرين: كالواحدي[3] وابن كثير[4] ومن المعاصرين: الشيخ محمد بن أمين الشنقيطي[5] الشيخ عبد الرحمن السعدي[6] وذلك لقوله: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ [الأعراف: 79] رتبه بالفاء على قوله: فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: 78] فالفاء تقتضي التعقيب؛ وذلك كما خطب النبي ﷺ قتلى بدر، وهم في القليب بعد ثلاثة أيام، فلا إشكال بين أن يُخاطَب هؤلاء بعد هلاكهم، وأن يخاطبهم نبيهم على سبيل التبكيت، والتقريع لهم، وهذا هو الأقرب - والله أعلم -.

ويكون قوله: لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79] الذي استدل به أصحاب القول الأول: حكاية حال ماضية، وباعتبار ما مضى، فهكذا كانت حالكم.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/546).
  2.  تفسير القرطبي (7/242).
  3.  التفسير الوسيط للواحدي (2/385).
  4.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/449).
  5. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (3/534).
  6.  تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 295).