الثلاثاء 22 / ذو القعدة / 1446 - 20 / مايو 2025
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَتَأْتُونَ ٱلْفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ۝ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [سورة الأعراف:80-81].
يقول: ولقد أرسلنا لوطاً، أو تقديره، واذكر لوطاً إذ قال لقومه.
ولوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل - عليهما السلام - وكان قد آمن مع إبراهيم  وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سَدُوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سَدُوم - عليهم لعائن الله -.

في قوله: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [سورة الأعراف:80] ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وجهين لنصب لوط الأول: واذكر لوطاً، أو يكون التقدير: لقد أرسلنا لوطاً، والحاصل أن لوطاً قال لقومه: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80] قال ذلك على سبيل الاستنكار، وعبر عنها بالفاحشة وأدخل عليها "أل"، وكأن ذلك - والله تعالى أعلم - يشعر بأنها قد استحقت الوصف الكامل في الفحش، فهي في غاية الفحش، وذكر الله فيها ما لم يذكره في الزنا، فقال هنا: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80]، وقال: بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [سورة الأعراف:81] وذكر قرية هؤلاء وقال: الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [سورة الأنبياء:74] فهو وصف القرية ويعني أهلها أنهم كانوا يعملون الخبائث ووصفهم بالفسق.
وقال لوط ﷺ: رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ [سورة العنكبوت:30] فوصفهم بالإفساد، ووصفهم أيضاً بالظلم في قوله: إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ [سورة العنكبوت:31] وذلك لما جاءت الملائكة لإبراهيم ﷺ وبشروه بهلاكهم.
فهذه الأوصاف جميعاً ذكرها الله لهؤلاء الذين يقارفون هذا المنكر الشنيع فهو في غاية البشاعة والمنافاة للفطَر، وقد قال بعض خلفاء بني أمية: لولا أن الله ذكر ذلك في القرآن لما صدقت أن أحداً يقارف ذلك، أي أنه لا يتصور أن يقع هذا من أحد لولا أن الله ذكره في كتابه.
وهذه الفاحشة مع منافاتها للفطرة فإن فيها أيضاً ألواناً من القبائح والرذائل والرزايا، وقد ذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - أن من وقع عليه ذلك فإن ماء الرجل يدخل في كل عصب ومفصل فيفسد فطرته ويحصل له بسبب ذلك من المسخ والانتكاس ما لا يقادر قدره.
يقول: "وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سَدوم" وقال: "وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سدُوم وما حولها من القرى" وسدوم هذه مجموعة من القرى كما قال الله تعالى: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [سورة النجم:53]  وكما قال: وَالْمُؤْتَفِكَاتِ [سورة التوبة:70]  فالمؤتفكة جنس يشمل جميع القرى، يعني القرى المؤتفكة، والمؤتفكات باعتبار أنها قرى وليست قرية واحدة، فسدوم يقولون عنها: إنها الأم، يعني هي عاصمة تلك البلاد، ويذكر بعضهم أنها من أعمال حلب، وأما القول بأنها في البحر الميت فلا أعلم عليه دليلاً، والله ما ذكر أنها تحولت إلى بحر، وإنما أخبر أنه قلبها وأنه جعل عاليها سافلها، وقال: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [سورة النجم:53] يعني المنقلبة، أي أنه رفعها ثم قلبها ثم أتبع ذلك بالحجارة، والعلم عند الله .
قال عمرو بن دينار في قوله: مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80]  قال: ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط، ولهذا قال لهم لوط : أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [الأعراف: 80] العامل في (إذ) أرسلنا المضمر، أو يكون بدلًا من لوطًا".

يعني: أرسلنا لوطًا.

"قوله تعالى: مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 80] أي: لم يفعلها أحد من العالمين قبلكم، و(مِن) الأولى زائدة، والثانية للتبعيض، أو للجنس".

مضى في بعض المناسبات أن (من) التي تسبق النكرة في سياق النفي، تنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم؛ ولهذا يقولون: زائدة للتوكيد، وتقوية العموم "والثانية للتبعيض، أو للجنس" يعني: مِّنَ الْعَالَمِينَ.

فـمِنْ أَحَدٍ هذه الذي قال عنها زائدة، فهي للتنصيص في العموم، فلو قال: ما سبقكم بها أحد من العالمين، فهذا يدل على العموم فـ(أحد) نكرة في سياق النفي، لكن حينما دخلت عليها (مِن) فذلك لتقوية العموم، وتنصيصه، و(من العالمين) هذه يمكن أن تكون لبيان الجنس، أو للتبعيض: لم يفعله بعضٌ منه.