ينهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي والمعنوي بقوله: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [سورة الأعراف:86] أي: تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم.
قال السدي وغيره: كانوا عشَّارين.
القطع الحسي معناه أنهم يقعدون في طريق الناس ويقطعون عليهم الطريق كقُطَّاع الطرق، ومن ذلك أخذهم المكوس من الناس.
قوله: "كانوا عشَّارين" يعني يأخذون العشر من أموال الناس الذين يجتازون تلك الناحية، وهذا كان يفعله أهل الجاهلية أيضاً، والنبي ﷺ قال في المرأة التي زنت: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس..[1] فالمكوس بهذه المنزلة من الإثم.
يقول الحافظ - رحمه الله - : "أي تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم" وهذا صنيع قطاع الطرق، وأما قطع الطريق المعنوي فهو قوله: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [سورة الأعراف:86] أي أنهم يصدون الناس عن دين الله ويحذرونهم من الإيمان بشعيب ولهذا قال: وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًاَ [سورة الأعراف:86] أي: تريدون أن تكون الطريق مائلة عن الحق تابعة لأهوائكم وشهواتكم، هكذا كانوا يقطعون على الناس الطريق بهذا أو بهذا أو بالأمرين معاً.
في أول الكلام جمع الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بين المعنيين حيث قال: "ينهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي والمعنوي" لكن قال هذا الكلام باعتبار الجملتين من قوله: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [سورة الأعراف:86] وإن كان قد حمل بعض أهل العلم قوله: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ على الصراط المعنوي أي صرف الناس عن دين الله فالآية تحتمل هذا، لكن الحافظ ابن كثير قال في أول كلامه: "ينهاهم عن قطع الطريق الحسي والمعنوي" ولا يقصد بهذا أن الجملة الأولى هي التي تحمل على المعنيين؛ لأن كلامه في النهاية واضح في الترجيح حيث قال: "فنهاهم عن قطع الطريق الحسي بقوله: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ[سورة الأعراف:86] والطريق المعنوي بقوله: وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ [سورة الأعراف:86]" وهذا أحسن، والله تعالى أعلم؛ لئلا تكون الجملة الثانية من قبيل التكرار؛ لأن قطع الطريق المعنوي إذا كان مضمناً في الجملة الأولى فما معنى الجملة الثانية: وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ؟ [سورة الأعراف:86]
من هنا كان الأحسن أن تحمل الأولى على قطع الطريق الحسي بأخذ المكوس أو سلب أموال الناس بالقوة، والجملة الثانية معناها قطع الطريق المعنوي، والله أعلم.
هذه الآية هي كقول الله : وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا [سورة النساء:27]، وبعض أهل اللغة – كالزجَّاج - يقول: إنّ "عِوَج" - بالكسر - يكون في المعاني و"عَوَج" - بالفتح - يكون في الأمور المحسوسة، هكذا فرَّق بعض أهل اللغة بين المكسور والمفتوح.
وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [سورة الأعراف:86] أي: من الأمم الخالية والقرون الماضية، وما حلَّ بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله.
- أخرجه مسلم في كتاب الحدود - باب من اعترف على نفسه بالزنا (1695) (ج 3 / ص 1321).