الأربعاء 23 / ذو القعدة / 1446 - 21 / مايو 2025
وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [سورة الأعراف:85].
قال محمد بن إسحاق: هم من سلالة مدين بن مديان بن إبراهيم، وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر، قال: واسمه بالسريانة يثرون، قلت: مدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة، وهي التي بقرب مَعَان من طريق الحجاز، قال الله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [سورة القصص:23] وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره إن شاء الله وبه الثقة.

فقوله: "قال ابن إسحاق: "هم من سلالة مدين بن مديان بن إبراهيم، وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر" قد ذكرتُ من قبل أن هذه الأسماء وقع فيها تحريف تارة بسبب الطباعة، وتارة بسبب آخر، والله تعالى أعلم، وهذه أسماء أعجمية في الغالب وحينما حولت إلى اللغة العربية وقع فيها شيء من الاختلال، والعرب لا يدققون في نقل الأعجمية، وعلى كل حال يبدو أن أكثر الأخطاء كانت بسبب النقَلة وما يقع من التصحيف في الكتب، والله تعالى أعلم، والأسماء التي مرت في أنساب الأنبياء وأمم الأنبياء إذا نظرت في المصادر وجدت إختلافاً كثيراً.
وهنا يقول: "وشعيب هو ابن ميكيل" وفي بعض المصادر ميكائيل، فقد يكون حصل تحريف، وفي تفسير ابن جرير قال كما هنا: "ابن يشجر" وفي البداية والنهاية بالنون "يشجن" وفي القرطبي "يشجر" وفي بعض المصادر بالباء "يشجب" وهكذا كلما تتبعت تجد أشياء لا تخرج معها بنتيجة في الغالب.
وبعضهم يقول في اسمه غير هذا، فيقول: هو شعيب بن عيفاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم، وبعضهم يقول: شعيب بن حُرّة بن يشجب بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق، وبعضهم يقول: شعيب بن صفوان بن عيفاء ين ثابت بن مدين بن إبراهيم، فالله أعلم.
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف:85] هذه دعوة الرسل كلهم.
قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ أي: قد أقام الله الحجج والبيِّنات على صدق ما جئتكم به.
ثم وعظهم في معاملتهم الناس بأن يوفوا المكيال والميزان ولا يبخسوا الناس أشياءهم أي: لا يخونوا الناس في أموالهم ويأخذوها على وجه البخس، وهو نقص المكيال والميزان خفية وتدليساً.

الله - تبارك وتعالى - يقول: فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ فالكيل مصدر والميزان اسم آلة، فعطَف اسم الآلة – الميزان - على المصدر، فما قال: فأوفوا المكيال والميزان، ولا قال: أوفوا الكيل والوزن، فيكون عطْف اسم على اسم، أو مصدر على مصدر، وإنما قال: فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ فبعض أهل العلم يقول: المقصود بالكيل المكيال فيكون هذا من قبيل عطف الاسم على الاسم، وبعضهم يعكس فيقول: الميزان يقصد به الوزن، فالله تعالى أعلم.
كما قال تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ [سورة المطففين:1] إلى قوله: لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة المطففين:6].

قال لهم: فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [سورة الأعراف:85] والحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا يقول: ولا يبخسوا الناس أشياءهم أي: لا يخونوا الناس في أموالهم، ويأخذوها على الوجه البخس.
والبخس هو النقص، ويكون بأي صورة من الصور التي يقع بها، ومن ذلك العبث بالموازيين والمكاييل كالذي ينقص ما يكيله للناس أو يزنه لهم، قال تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [سورة المطففين:1-3] فهم ينقصون حينما يكيلون للناس تارة بتثقيلها وبالإخلال بها أو بأي لون من الحيل التي لا يطلع عليها الناس، ويكون بخس الناس أشياءهم بالاحتيال عليهم لأخذ ما في أيديهم بدون ما يستحقه من الثمن، كالتزهيد فيه، وعيبه وذمِّه أو غير ذلك مما يُخدع به صاحب السلعة، كأن يقال له: هذه لا تساوي شيئاً، أو هذه لا يرغب بها أحد، أو هذه فيها عيوب، فمن فعل ذلك بقصد الحط من قيمتها فهذا من بخس الناس أشياءهم، ومِن بخس الناس أشياءهم أيضاً التجني عليهم بوصفهم بما ليس فيهم.
وحينما يكون الإنسان مبغضاً لآخر فيسلبه من كل المقومات في الدين والأخلاق، أو العلم أو العمل، أو غير ذلك، كأن يقول: فلان لا خير فيه؛ لأنه لا يحبه، فهذا من بخسه حقه، ومن ذلك أن يقول: فلان ليس من أهل العلم؛ لأنه يبغضه، وإذا أحب أحداً ولو كان دون ذلك بمراحل جعله علّامة ومحدثاً وأعطاه الأوصاف التي لا يستحق عُشْر معشارها، فكل هذا من بخس الناس أشياءهم، وكل ذلك مذموم، والله المستعان.
كما قال تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ [سورة المطففين:1] إلى قوله: لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة المطففين:6] وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، نسأل الله العافية منه.

مرات الإستماع: 0

"بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ [الأعراف: 85] أي: آية ظاهرة، ولم تُعيَّن في القرآن آية شعيب".

النبي ﷺ أخبر أنه: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر[1].

"قوله تعالى: فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ [الأعراف: 85] كانوا ينقصون في الكيل، والوزن، فبُعِث شعيب لينهاهم عن ذلك، والكيل هنا بمعنى المكيال، الذي يُكال به، مناسبةً للميزان، كما جاء في هود الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [هود: 84] ويجوز أن يكون الكيل، والميزان مصدرين".

هو باعتبار الاتحاد، فإما أن يكون المراد بذلك الآلة، أو المعنى يعني المصدر، فالكيل مصدر، وعُطف عليه الميزان، وهو اسم آلة، فبعضهم يقول: أراد بالكيل المكيال؛ ليتفق مع الميزان، وبعضهم يقول: العكس، بأنه أراد بالميزان الوزن الذي هو المصدر، ليتفق مع الكيل، وهذا معنى قول المؤلف: "ويجوز أن يكون الكيل، والميزان مصدرين" بهذا الاعتبار، وإلا فالميزان اسم للآلة، وليس بمصدر، وإنما الوزن هو المصدر، يعني يراد به معنى المصدر، يعني أقيموا الكيل، والوزن، أو أقيموا المكيال، والميزان، فالمكيال هي الآلة التي يُكال بها.

  1. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، وأول ما نزل برقم: (4981) ومسلم في الإيمان، باب، وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ برقم: (152).