الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ۝ يُبَصَّرُونَهُمْ أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو يراه في أسوأ الأحوال، فتشغله نفسه عن غيره.

قال العوفي عن ابن عباس: "يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم، ثم يفر بعضهم من بعض بعد ذلك"، يقول الله - تعالى -: لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33]، وكقوله تعالى: وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر: 18]، وكقوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون: 101]، وكقوله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۝ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۝ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34–37]".

قوله - تبارك وتعالى -: يُبَصَّرُونَهُمْ هنا نقل عن ابن عباس - ا -: "يعرف بعضهم بعضًا، ويتعارفون بينهم"، لكن لا يغني أحد عن أحد، ولا يقف أحد مع أحد، يفر بعضهم من بعض هو يراه، لكن كل هذه المعاني المذكورة قال: أي: لا يسأل القريب قريبه عن حاله وهو يراه في أسوأ الأحوال، تشغله نفسه عن غيره، بالعادة الناس إذا تقابلوا خاصة بعد طول عهد فإنه يقف معه، يسأله عن حاله، وهو لا يرى به بأسًا، فكيف إذا كان يراه في حال من الشدة، والبؤس؟!، ومع ذلك يراه ولا يقف معه، ولا يسأل عن حاله، فضلاً عن أن يعرض عليه مساعدة، أو نحو ذلك.

يُبَصَّرُونَهُمْ فهو يرى هؤلاء القرابات.

وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا السؤال هنا يشمل السؤال عن حاله، وكذلك أيضًا: وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يعني ماذا تريد؟ ماذا تحتاج؟ ليس هناك مجال لوقوف أحد مع أحد، أو مساعدة أحد لأحد، أو نحو ذلك، كل إنسان إنما يطلب نجاة نفسه، في الحياة الدنيا نجد أن الإنسان قد يفدي غيره بنفسه، ومعروف من حال الوالدين أنهما يقدمان أنفسهما في سبيل حفظ هؤلاء الأولاد، وعافيتهم، وسلامتهم، وما إلى ذلك، فيتمنون وقوع المرض والأوصاب بهما، على أن لا يقع ذلك أو شيء منه لهؤلاء الأولاد، هذا معروف، يتمنى أنه هو الذي يمرض ولا يمرض هذا الولد، أنه هو الذي يتعب ولا يتعب هذا الولد، ومن جاءه أولاد فإنه يجد مثل هذا، يتألم لما يقع لهم، ويسألهم صباح مساء عن حالهم، وينظر إلى وجوههم إذا دخلوا، وإذا خرجوا، هناك: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ بدأ بهؤلاء الذين هم أعلق بالكبد، والقلب، يود يتمنى أن يلقوا في النار لكنه ينجو، فكيف يقف معه، ويسأل عنه؟ فهذا يدل على شدة هذا الهول، والموقف، أقرب الناس إليه!، في حال الحرب، في حال الشدة، في حال الذهول، الأسارى، في قصة المرأة التي رآها النبي ﷺ في سبي أوطاس تبحث هنا وهناك، حتى لقيت صبيًّا فأخذته، وضمته، وأرضعته فقال النبي ﷺ: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه"[1].

فالمقصود أن هذا في حال شدة، وذهول، أسارى يساقون كما تساق الأنعام، وهذه المرأة تجري هنا وهناك تبحث عن الصبي، ولا تسأل عن حال الناس، في وقت حرب، وشدة، وأسر، وهم يساقون، ويُذادون كما تذاد البهائم، وهذه المرأة تبحث هنا وهناك عن ولدها، ما أصابها ذهول عنه، لكن في القيامة يصيبها الذهول، ويكفي في هذا ما مضى في قوله - تبارك وتعالى - في صدر سورة الحج: يَوْمَ تَرَوْنَهَا يعني القيامة، والساعة: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:2] وذكرنا هناك: أن المرضعة بـ"التاء" هكذا فيما كان من أوصاف الإناث، أنه إذا جاء بـ"التاء" فإن ذلك يعني المباشرة بالفعل مُرْضِعَةٍ يعني تباشر الآن الإرضاع، وإذا جاء من غير "تاء" مرضع فإن ذلك يعني مطلق الاتصاف، أن من شأنها الإرضاع، ولو كانت في لحظتها لا ترضع، يقال: هذه امرأة مرضع يعني لها ولد ترضع، لكن مُرْضِعَةٍ يعني الآن، فهذه أجلى صورة يتدفق فيها الحنان، لا نعرف أبدًا صورة يتدفق فيها العطف، والحنان؛ أعظم من هذه الحال، واسألوا النساء، هي بمجرد ما تضمه إلى صدرها هكذا؛ قبل أن ترضع يبدأ الحليب يخرج من تلقاء نفسه، هذا معروف، والولد يجد من الحنان المتدفق من الأم مع حليبها ما لا يخفى، ولهذه عملية الإرضاع ليست مجرد إرضاع فقط بل إرضاع وإشباع لهذا الصغير بعواطف الأم، ومشاعر الأم، والأمومة، والحنان، والرعاية، وما إلى ذلك.

فالمقصود إذا كانت تذهل عن صغيرها في حال إرضاعه إذا رأت يوم القيامة؛ فما بالك إذًا بما هو دون هذه الحال؟ لقيه هكذا، الأب لقي ولده، الولد لقي أباه، يراه، يشاهده، لكن هو في شغل شاغل عنه، فهذا يدل على شدة هول ذلك اليوم الذي يحتاج إلى عمل، الناس في الدنيا يتواصلون، ويواسي بعضهم بعضًا، فيتحمل بعضهم عن بعضٍ ما ينوبه، أو بعض ما ينوبه، لكن في الآخرة ليس من ذلك شيء، فلابدّ من الجد، والاجتهاد؛ من أجل أن يخف ذلك اليوم، وتخف وطأته على الناس، فالأمر ليس بالسهل، فلا يصح بحال من الأحوال أن يضيع الإنسان نفسه لشهوة عابرة، وعبث في حطام زائل، يذهب، ويجيء، صباح، مساء، مضيعًا لحقوق ربه - تبارك وتعالى - في صَفْقٍ سرعان ما يتلاشى، ويذهب، مع ما يحتفّ به من أذى، ومنغصات، وأكدار في هذه التعاملات، وما يحصل فيها من كساد في الأسواق، وغبن، وغش، وتعليق، وتعطيل، وكف يد عن التصرف فيها، وما إلى ذلك من تأخر وبطء في هذه المعاملات، والمساهمات، والتحالفات التجارية، وما إلى ذلك، تتعطل على أصحابها سنين طويلة، ويبقون في ألم، وحسرات، وهمٍّ، يرونها في ليلهم إذا ناموا، ويتقلبون في نهارهم في طلب فك أسرها، وإطلاق عَوْقها، وكل هذا عما قريب حينما يفتح الإنسان عينيه بعد الموت يبصر الحقائق، ويعرف أنه كان مضيعًا، غافلاً، اشتغل بدنياه في شيء يجمعه لأحفاد أحفاد أحفاد أحفاده، وعنده ما يكفيه ويدفنه من المال، لو جلس في وسطه اندفن، ومع ذلك كدٌّ وكدحٌّ في الصباح، وفي المساء، ولربما يكون قد بلغ من الكبر عتيًّا، ومع ذلك مثل الساعة في الصباح الباكر في المكتب لا يتأخر دقيقة واحدة إلى الليل، إما بعمل متواصل، أو يصلي العصر عند المكتب - إذا كان يصلي العصر -، لا يؤخره ترفُّهٌ، ولا تنزه، ولا تباطؤ، ولا تلكؤ، ولا شاي العصر، أبدًا، يفتخر الواحد منهم أنه من خمس وعشرين سنة ما جلس على وجبة مع أولاده في مقابلة يقرؤها الناس كلهم، خمس وعشرون سنة على ماذا؟ رأسه أبيض، ليس فيه شعرة سوداء، على ماذا؟ ينبغي العمل لهذا اليوم - والله المستعان -.

"وقوله تعالى: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ۝ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ۝ كَلَّا أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبًا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حُشاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يُقبل منه".

قوله - تبارك وتعالى -: يُبَصَّرُونَهُمْ هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله - يعني أنه يراه، يبصره، ونقله عن ابن عباس: "يعرف بعضهم بعضًا، فيتعارفون بينهم"، وهذا يرجع إلى المعنى الذي قبله، فهو يتعارفون حينما يراه، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -: يُبَصَّرُونَهُمْ يعرف بعضهم بعضًا، يتعارفون، ثم يفر منه، لماذا؟ لأنه كما قال الله : لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37].

وقوله - تبارك وتعالى -: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ۝ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ۝ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ۝ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ، ثُمَّ يُنْجِيهِ ماذا؟

ثُمَّ يُنْجِيهِ هذا الافتداء، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا يعني يفتدي بكل ما يمكن الافتداء به ابتداء من أقرب الناس إليه الأم، والأب، والأولاد، والزوجة، هل يوجد أقرب من هؤلاء؟!، يُلقَى أبوه وأمه في النار، وزوجته، وأولاده؛ على أساس أن ينجو هو ثُمَّ يُنْجِيهِ أي ثم ينجيه هذا الافتداء، والعطف بـ"ثم" يدل على استبعاد النجاة، لا فكاك، ولا خلاص كَلَّا أي لا يقبل منه فداء، ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجد من المال، هذا الذي سيفتدي بأمه، وأبيه، وزوجته، وأولاده الذين من أجلهم هذا الكد، وإذا سئل عن هذا التعب، والعناء، ومواصلة الليل والنهار، قال: "عيش العيال"، "عيش العيال" عند ربهم وليس عنده، وسيأتي في الكلام على اسم الله "الرزاق" - إن شاء الله تعالى - أشياء من هذا القبيل، إحداهن ذُكر لها زوجها، وأنه المُعيل، فقالت: "ليس بالمُعيل، بل هو الأكّال، الذي يرزق الأقوات، ويعيل الخلائق، ويرزقهم، ويعافيهم، ويعطيهم هو الله - تبارك وتعالى -"، هذه امرأة تقول: إن زوجها هو الأكّال، وليس المُعيل.

يقول: إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه.

"قال مجاهد والسدي: وَفَصِيلَتِهِ قبيلته، وعشيرته"، وقال عكرمة: "فخِذه الذي هو منهم"، وقال أشهب عن مالك: "وَفَصِيلَتِهِ أمه"".

نحن ذكرنا الكلام على الفصيلة فيما سبق في الكلام على الشَّعْب: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] والقبيلة، والفخذ، والعشيرة، والفصيلة، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ قال هنا: قال مجاهد، والسدي: "قبيلته، وعشيرته".

أبو عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - فسر الفصيلة بأنها دون القبيلة، وهذا صحيح، وقد مضى الكلام على هذا، ويقول الإمام ثعلب - رحمه الله -: "إن الفصيلة هم الآباء الأدنون، يعني الأقرب إليه"، وابن جرير - رحمه الله - فسره: بالعشيرة، وعكرمة قال: "فخِذه الذي هو منهم"، وقال أشهب عن مالك: فصيلته هي أمه، يعني التي تربيه، أي فصيلته هي التي ترضعه، وفصاله فطامه"، فالفصيلة هم قرابته الأقربون.

الفصيلة إذاً فسر بالعشيرة، أو ما هو أقرب من العشيرة، فلكونه يأوي إليهم، ويضمونه في النسب، وعند الشدائد الإنسان يأوي إلى العشيرة، العشيرة قيل لها: عشيرة بعضهم - كما سبق - في قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] يقول: "عشيرة" من المعاشرة لكثرة المخالطة، فهؤلاء القرابة القريبة يعني ليسوا القبيلة، فإنه لا يلتقي بالأبعدين وإنما بالقريبين، هؤلاء القريبون يعاشرهم، ويخالطهم، فهم أقرب إليه، وبعض أهل العلم فسر ذلك - يعني كونهم القرابة القريبة -: أن الله - تبارك وتعالى - لما قال لنبيه ﷺ: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي ﷺ على الصفا، فماذا قال؟

اختلفت الروايات في قوله ﷺ، ومن هنا اختلف العلماء في الاستدلال بهذا على المراد بالعشيرة، ففي بعضها: أنه ذكر الجد الرابع، فقالوا: هم الأدنون، وبعضهم يقول: ذكر الجد العاشر، فقال بعضهم: إن العشيرة هم من يرتبطون به إلى الجد العاشر، يتفرعون من الجد العاشر.

"وقوله تعالى: إِنَّهَا لَظَى يصف النار، وشدة حرها.

نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى قال ابن عباس، ومجاهد: "جلدة الرأس"، وقال الحسن البصري وثابت البناني: "نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى أي مكارم وجهه"، وقال قتادة: "نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى أي نزاعة لهامته، ومكارم وجهه، وخَلقه، وأطرافه"، وقال الضحاك: "تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا"، وقال ابن زيد: "الشَّوَى الآراب العظام"".

فقوله: نَزَّاعَةً قال: تقطع عظامهم، ثم تُبدَّل جلودهم، وخَلقهم.

قوله - تبارك وتعالى -: كَلَّا هذه كلمة ردع، وزجر، ردع للمجرم عن تلك الودادة، وبيان امتناع ما وده: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي ما وده من الافتداء: كَلَّا إِنَّهَا لَظَى، لَظَى هذا اسم من أسماء جهنم - أعاذنا الله، وإياكم، وإخواننا المسلمين منها -، إِنَّهَا لَظَى بعضهم يقول: مشتق من التلظِّي في النار، وهو التلهب.

نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى نقل هنا عن ابن عباس، ومجاهد: "جلدة الرأس"، يعني أن جلدة الرأس تسقط لشدة حرها.

بعضهم يقول: إذا أراد أن يشرب من الحميم سقطت فيه جلدة رأسه من شدة الحر، وقال الحسن، وثابت البناني: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى أي: مكارم وجهه، وهذا قال به جماعة كأبي العالية، وقتادة، وأيضًا عن قتادة: "نزاعة لهامته، ومكارم وجهه، وخلقه، وأطرافه"، وقال الضحاك وهو مروي أيضًا عن قتادة: "تبري اللحم، والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئًا"، وعن ابن زيد: "الشوَى الآراب العظام"، الآراب يعني الأعضاء، يعني أنها تقطع عظامهم، وتفري لحومهم، وتحرق، وتنزع ما في وجههم من اللحم، والجلد.

والحافظ ابن القيم - رحمه الله - له كلام في هذا يقول - رحمه الله تعالى - معلقًا على قوله - تعالى -: نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى: "في الآية تفسيران مشهوران:

أحدهما: أن الشَّوَى الأطراف التي ليست مَقاتِل كاليدين، والرجلين تنزعها عن أماكنها، ومنه قولهم: "رمى الصيد فأشواه" إذا أصاب أطرافه دون مقاتله، فإن أصاب مقتله فمات موضعه قيل: "رماه فأصماه"، فإن حمل السهم، وفر به؛ ثم مات في موضع آخر قيل: "رماه فأنحاه".

والتفسير الثاني: أن الشوَى جمع شواة، وهي جلدة الرأس، وفروته"[2].

الشوى جمع شواة، وقد فسر الشوى بالأطراف، أو جلدة الرأس، وبعضهم فسره: بالمفاصل، كالكسائي، أو أطراف اليدين، والرجلين - كما سبق -، وبه قال أبو صالح.

وابن جرير - رحمه الله - جمع بين بعض هذه المعاني، وفسر الشوى بجلدة الرأس وأطراف البدن أي المعنيين اللذين ذكرهما الحافظ ابن القيم - رحمه الله -، أن الشوى يأتي لهذا وهذا، فابن جرير - رحمه الله - على عادته حينما يكون المعنى ثابتًا في اللغة، ولا يوجد ما يدل على أحد هذين المعنيين أنه هو المراد، يقول: ليس عندنا دليل، وأخبر أنها نزاعة للشوى، والشوى يقال لهذا وهذا، ومن ثَم قال: إنها - نسأل الله العافية - تنزع جلدة الرأس، وأطراف البدن: اليدين، والرجلين، يعني غير المَقاتِل، يقول: جمع شواة، وهي جوارح الإنسان، ما لم يكن مقتلاً "رمى فأشوى إذا لم يصب مقتلا"، يعني رمى الصيد في موضع برجله، أو نحو ذلك في عضده؛ وما أصابه في مقتل.

  1. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم (5999)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله - تعالى - وأنها سبقت غضبه، رقم (2754).
  2. بدائع الفوائد (3/114- 115).